ومما يوضح ما ذكرناه من محافظة التشريع الإسلامي على المصالح العامة والخاصة والحقوق الفردية والعامة أنك تجد البلاد التي يحكم فيها بالتشريع السماوي في عافية وأمن وطمأنينة ورخاء ورفاهية، في الحين الذي تكون فيه البلاد الأخرى التي لا تحكم بالشرع في قلق وعدم طمانينة، إما بأخذ أموالها وإما بضياع أخلاقها وحقوقها وجميع قيمها الإنسانية إلى غير ذلك من المفاسد الظاهرة؛ ولأجل ذلك ترى -ولله الحمد- أن هذه البلاد -حفظها الله وحرسها- التي لم يبق على ظهر البسيطة من يُعْلن على رؤوس الأشهاد التحاكم إلى النظام الذي وضعه خالق السموات والأرض سواها -على ما كان منها- لا تساويها بلاد أخرى في انتشار الأمن وعمومه. فالفرد الضعيف فيها آمن على ماله من النهب ومن السرقة غالبًا، وعلى دمه وعرضه ودينه، ولا تجد بلادًا أقل فيها وقائع القتل والسرقة والنهب والزنا ونحو ذلك. وكلُّ ذلك من نتائج تحكيم النظام الذي وضعه الحكيم الخبير {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)} [هود: 1].
وأما المصلحة الثانية: التي هي جلب المصالح، فقد اقتضى التشريع الإسلامي تحصيلها وتسهيلها، ولأجل هذا جاء بإباحة المصالح المتبادلة بين أفراد المجتمع على الوجه المشروع ليحَصّل كلٌّ مصلحته من الآخر، كالبيوع والإجارات والأكرية والمساقاة والمضاربة وغير ذلك. وأمر بتحصيل المصالح في الأنفس والأموال وغير ذلك كما هو معلوم.