وبهذا تعلم أن الذي يأخذ مال الغني غصبًا، بدعوى أنه يعطيه للفقير ليساوي بينهما= أنه متمرد على النظام السماوي، معترض قسمة خالق السموات والأرض التي تولاها بنفسه لحكمته البالغة كما بين ذلك في قوله جل وعلا: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَينَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)} [الزخرف: 32] والآيات الكريمة والأحاديث النبوية الدالة على حُرْمة مال المسلم ودمه وعرضه أظهر وأكثر من أن نحتاج للتعرض لها.
ولأجل صيانة المال والمحافظة عليه أوجب الله جل وعلا قطع يد السارق قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] فالله جل وعلا خلق له تلك اليد لتكون أعظم عونٍ له على عمل الخير والمعاونة على البر والتقوى. فلما مدها إلى تلك الرذيلة، التي هي السرقة، إلتي هي في غاية السقوط والانحطاط والتدنس والتقذر= صارت تلك اليد في نظر الشرع الكريم كالعضو الفاسد الذي يُخْشى من بقائه فساد البدن كله، فقَطْعه وإزالته كعملية تطهيرية تصح بها بقية البدن وتطهره.
ومما يوضح هذا السر السماوي ما صرح به النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - المتفق عليه، ولفظه في البخاري: عن عبادة - رضي الله عنه - قال كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلس فقال: "بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا وقرأ هذه الآية كلها، فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا