قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} . قَالَ الله تَعَالَى: أثنى عَليّ عَبدِي. وَإِذا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ: مجدني عَبدِي. وَقَالَ مرّة فوض إِلَيّ عَبدِي. فَإِذا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . قَالَ هَذَا بيني وَبَين عَبدِي ولعبدي مَا سَأَلَ. فَإِذا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قَالَ: هَذَا لعبدي ولعبدي مَا سَأَلَ".
فَيَكْفِي الْمُصَلِّي شرفا وعلوا ونبلا لما يَرْجُو من خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَن الله جلّ وَعلا قسم هَذَا الرُّكْن الْأَعْظَم من أَرْكَان الْإِسْلَام بَينه جلّ وَعلا وَبَين الْمصلى. فَمَا أعظم شَأْنهَا من قسْمَة وَقد وعده أَن لَهُ مَا سَأَلَ وَهُوَ جلّ وَعلا لَا يخلف وعده.
وَأما الصَّوْم: فَفِيهِ رياضة عَظِيمَة للنفوس وإعانة عَظِيمَة على تقوى الله تَعَالَى كَمَا أَشَارَ جلّ وَعلا إِلَى ذَلِك فِي قَوْله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فَقَوله لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون بعد قَوْله كتب عَلَيْكُم الصّيام دَلِيل وَاضح على ذَلِك. وَقد زَاده النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيضاحا بقوله: " يَا معشر الشَّبَاب من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوج فَإِنَّهُ أحصن لِلْفَرجِ وأغض لِلْبَصَرِ. وَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاء ".
وَأما الْحَج: فقد أَشَارَ الله لبَعض فَوَائده بقوله: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ..} الْآيَة وَضرب بعض الْعلمَاء لَهُ مثلا. فَقَالَ وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى أَن ملك الْمُلُوك وَهُوَ الله جلّ وَعلا عين بَيته فِي مَكَّة المكرمة حرسها الله تَعَالَى. وَبَقِيَّة مَوَاضِع النّسك كعرفات ومزدلفة وَمنى للوفود يفدون إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْأَمْكِنَة فيرفعون إِلَيْهِ حوائجهم فيقضيها. فالحجيج كَأَنَّهُمْ الوافدون إِلَى الْملك الْحق ليحسن وفادتهم ويعطيهم أَسْنَى الجوائز وَأَعْظَمهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "وَالْحج المبرور لَيْسَ لَهُ جَزَاء إِلَّا الْجنَّة". وَقَالَ: "من حج فَلم يرْفث وَلم يفسق رَجَعَ كَيَوْم وَلدته أمه".