ب- وَأما الصَّلَاة. فَهِيَ أعظم دعائم الْإِسْلَام بعد الشَّهَادَتَيْنِ وَقد فَرضهَا الله على نبيه فوقا سبع سماوات لَيْلَة الْإِسْرَاء والمعراج وَقد جعلهَا دون غَيرهَا من الْأَركان يتَكَرَّر رُجُوعهَا فِي كل يَوْم وَلَيْلَة خمس مَرَّات لعظم شَأْنهَا. لِأَن الْمُصَلِّي يقوم فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة خمس مَرَّات يُنَاجِي خَالق السَّمَاوَات وَالْأَرْض ومناجاته جلّ وَعلا تَسْتَلْزِم أقوالا وأفعالا لائقة بذلك الْمقَام. وَلذَلِك علمه الله جلّ وَعلا فِي أعظم سُورَة من كِتَابه وَهِي (الْفَاتِحَة) الَّتِي هِيَ السَّبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم علمه فِيهَا كَيفَ يُنَاجِي خَالق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِمَا هُوَ لَائِق بِهِ وَعلمه كَيفَ يسْأَل ربه حَاجته فَأوجب عَلَيْهِ أَن يبتدىء قِرَاءَته بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} . فَحَمدَ ربه وَأثْنى عَلَيْهِ بجميل صِفَاته ومجده وَوَحدهُ فِي ربوبيته بقوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَفِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاته بقوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ثمَّ علمه توحيده فِي عِبَادَته بقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لِأَن مَعْنَاهُ لَا نعْبد إِلَّا إياك وَحدك. لِأَن تَقْدِيم الْمَعْمُول يدل على الْحصْر كَمَا هُوَ مُقَرر فِي الْأُصُول والمعاني.
وَعلمه الِاسْتِعَانَة بربه وَإِظْهَار الضعْف وَالْعجز بَين يَدَيْهِ بقوله. {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
وَلما أثنى على ربه بِمَا علمه أحسن ثَنَاء وخضع لَهُ بِهِ أكمل خضوع وافرده بِالْعبَادَة وَالْقَصْد وأخلص لَهُ فِي ذَلِك أكمل إخلاص. علمه كَيفَ يسْأَله جلّ وَعلا حَاجته بقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} .
وَهَذَا الدُّعَاء القرآني شَامِل لخير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَقد ثَبت فِي صَحِيح مُسلم من حديت أَبى هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ مَا لَفظه: فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: "قَالَ الله تَعَالَى: قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ ولعبدي مَا سَأَلَ فَإِذا قَالَ العَبْد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . قَالَ الله تَعَالَى: حمدني عَبدِي وَإِذا