وَمن حِكْمَة اجْتِمَاع الْمُسلمين من أقطار الدُّنْيَا كل سنة ليتعارفوا ويستفيد بَعضهم من بعض ويتبادلون الرَّأْي فِي حل مشاكلهم إِلَى غير ذَلِك.
وَأما الزَّكَاة: فَهِيَ مواساة كَرِيمَة للْفُقَرَاء والمحاويج أَشَارَ الله تَعَالَى إِلَى بعض فوائدها بقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} الْآيَة. وَإِنَّمَا أَشَرنَا إِلَى حكم هَذِه الْأَركان إِشَارَة خاطفة لِأَن الْمقَام لَا يَتَّسِع للبسط فِيهَا وَلَا يخفى أَن الرُّكْن الْأَكْبَر الَّذِي هُوَ تَوْحِيد الله بأنواعه المستلزم أَفْرَاده بِالْعبَادَة وَحده هُوَ مُنْتَهى التحرر من الرّقّ والعبودية للمخلوقين. وَمن جُمْلَتهمْ النَّفس والهوى والشيطان.
كفانا الله وإخواننا الْمُسلمين شَرّ ذَلِك كُله وسنتكلم الْآن إِن شَاءَ الله على مَنْهَج التشريع وَحكمه.
اعْلَم أَن طَرِيق تشريع الله دينه لخلقه فِيهَا من الحكم والأسرار من جِهَات شَتَّى مَا لَا يُحِيط بِعِلْمِهِ إِلَّا الله جلّ وَعلا وَحده وَسَنذكر إِن شَاءَ أدق من ذَلِك أَمْثِلَة هُنَا ليستدل بهَا الْعَاقِل على غَيرهَا. فَمن تِلْكَ الحكم الْبَالِغَة فى كَيْفيَّة التشريع أَنه جلّ وَعلا يشرع أَحْكَام دينه تدريجا لتسهيل ذَلِك على النُّفُوس الَّتِي الفت مَا يضاد ذَلِك التشريع.
والتدريج الْمَذْكُور نَوْعَانِ:
1- تَارَة يكون فِي أَحْكَام مُخْتَلفَة 2- وَتارَة يكون فِي حكم وَاحِد إِذا كَانَ التَّكْلِيف بِهِ مِمَّا فِيهِ مشقة على من اعْتَادَ خِلَافه.
أ- فَمن أَمْثِلَة النَّوْع الأول: التدريج فِي تشريع الدعائم الْخمس الَّتِي بنى عَلَيْهَا الْإِسْلَام. فان الله شرع مِنْهَا أَولا شَهَادَة أَلا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. وَمكث صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَمنا فِي مَكَّة المكرمة حرسها الله لَا يَدْعُو إِلَّا لعبادة الله وَحده ثمَّ بعد ذَلِك شرع لَهُ أدته الصَّلَوَات الْخمس الْمَكْتُوبَة لَيْلَة الْإِسْرَاء والمعراج. وَالتَّحْقِيق أَنَّهُمَا فِي لَيْلَة وَاحِدَة. وَعَن الزُّهْرِيّ وَعُرْوَة أَن الْإِسْرَاء الْمَذْكُور كَانَ قبل هجرته بِسنة وَعَن السّديّ أَنه كَانَ قبلهَا بِسِتَّة عشر شهرا. قَالَ الْحَافِظ ابْن كثير رَحمَه