ومنذ اللحظة الأولى يحس الإنسان بذلك التفرد.
فبينما تلتقي مناهج التربية الأرضية كلها تقريبًا على هدف متشابه، وإن اختلفت في وسائل تحقيقه متأثرة بالبيئة والظروف التاريخية والاجتماعية والسياسية إلخ، نجد الإسلام منذ البدء مفترقًا عنها في هذا الهدف، مغايرا لها في الاتجاه.
تلتقي مناهج التربية الأرضية على أن هدف التربية هو إعداد "المواطن الصالح".
وتختلف الأمم بعد ذلك في تصور هذا المواطن وتحديد صفاته. فقد يكون هو الجندي الشاكي السلاح، المتأهب في كل لحظة للوثوب سواء للعدوان أو لرد العدوان. وقد يكون هو الرجل الطيب المسالم الذي لا يحب الاعتداء على أحد, ولا اعتداء أحد عليه, وقد يكون هو الناسك المتعبد الذي يهجر الحياة الدنيا وينصرف عن صراع الأرض الكريه. وقد يكون هو العاشق لوطنه المجنون بعنصريته. وقد يكون وقد يكون, ولكنها تشترك كلها في شيء واحد، في إعداد "المواطن الصالح".
أما الإسلام فلا يحصر نفسه في تلك الحدود الضيقة، ولا يسعى لإعداد "المواطن" الصالح، وإنما يسعى لتحقيق هدف أكبر وأشمل، هو إعداد "الإنسان" الصالح.
الإنسان على إطلاقه، بمعناه الإنساني الشامل. الإنسان بجوهره الكامن في أعماقه. الإنسان من حيث هو إنسان، لا من حيث هو "مواطن" في هذه البقعة من الأرض أو في ذلك المكان.
وذلك معنى أشمل ولا شك من كل مفهوم للتربية عند غير المسلمين.
منذ الخطوة الأولى، في العهد المكي، والمسلمون قلة قليلة تعد بالأفراد. قلة مطرودة من كل حمى إلا حمى الله، محرومة من كل قوة, وكل سلطان, يقرر القرآن عالمية الدعوة الإسلامية وإنسانيتها، فيقول في سورة مكية من أوائل لسور: سورة التكوير: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} .
{لِلْعَالَمِينَ} منذ أول خطوة. لا للعرب ولا لأهل مكة، ولا لقريش. للعالمين كلهم في كل بقاع الأرض، لا فرق بين أعجمي وعربي في ميزان الله