إلا بالتقوى والهدى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 1.

دعوة لا تعرف حدود الوطن ولا العنصر ولا القبيلة ولا الأسرة. لا تعرف حاجزًا واحدًا من الحواجز المصطنعة التي يقيمها الناس لأنفسهم في الأرض، ويتصارعون من داخلها على الغلبة والسلطان.

دعوة لا تقسم الناس طوائف، ولا تقسمهم ألوانًا ولا عناصر. وإنما تنفذ إلى قلوبهم مباشرة، حيث يكمن "الإنسان". الجوهر الفذ الي تتكون منه الإنسانية.

وهو في عمله لإعداد "الإنسان الصالح" لا يترك الناس حيارى يخبطون في التيه، كل منهم يرسم الصورة على هواه, وإنما يحدد لهم "مواصفات" هذا الإنسان في دقة ووضوح، ويرسم لهذا المنهج الذي يصلون به إلى تحقيق تلك الغاية.

فهذا الإنسان هو الإنسان "الأتقى": {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 2. وهو الإنسان الذي يعبد الله ويهتدي إليه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 3. ولكن العبادة ليست مقصورة على المناسك التعبدية المحدودة، وإنما هي معنى شامل جدًّا وواسع جدًّا، يشمل دقائق الحياة وتفصيلاتها، ويشمل كل عمل وكل فكرة وكل شعور: هو التوجه بكل نشاط حيوي إلى الله، ومراعاة ما يرضي الله في هذا النشاط وما يغضبه، وتوقي غضبه والعمل على رضاه.

وهو الإنسان الذي يتبع هدى الله: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} 4، فهو يستمد من هذا الهدى منهج حياته ومنهج شعوره ومنهج سلوكه، ولا يتلقى من مصدر سواه.

وهو بالجملة الإنسان الذي يفي بشرط الخلافة في الأرض: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} 5. {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015