يمكن أن تربي في الناس الروح الفنية والحساسية المرهفة للجمال.
ويمكن أن تربي فيهم التفكر في الأنفس وفي الآفاق، وتوجههم إلى تدبر العبرة من الحوادث، والتطلع إلى الهدى، والبعد عن الضلال.
ويمكن أن تكون مجرد "تسلية".
ويمكن أن تشيع في الناس التفاهة والانحلال.
وهكذا كثير من الوسائل، لا يحكم بذاته على منهج، ولا يبين الطريق.
ولكن هذا ليس معناه أن نهمل الوسائل ونسقطها من الحساب.
كلا. فالوسائل هي أداتنا الوحيدة لتحقيق ما نؤمن به من الأهداف.
وينبغي العناية الكاملة بها، والتدقيق في بحثها واختيارها، إذ الوسيلة الفاسدة تضيع الهدف الصالح وتحيد عن الطريق.
ومن ثم فالوسائل والأهداف ترتبطان ارتباطًا كاملًا في مناهج التربية.. لا تفترقان. لا يمكن تقويم الهدف من غير الوسيلة التي تؤدي إلى تحقيقه، ولا يمكن تقويم الوسائل بمعزل عن الأهداف.
ومنهج التربية الإسلامية منهج متميز متفرد في وسائله وفي أهدافه بشكل ظاهر يلفت النظر، ويدعو إلى التفكر في مصدر هذه العقيدة التي تفردت على مدار التاريخ.
ولا شك أن التقاء عرضيًا يحدث بين الإسلام وغيره من مناهج التربية ومناهج الحياة، سواء في الوسائل أو الأهداف. ولكن هناك حقيقة تظل قائمة بعد ذلك. هي أن البشرية لم تعرف في تاريخها كله نظامًا بهذه السعة وهذا الشمول وهذه الإحاطة، بحيث لا يند عنه شيء في حياة الإنسان ولا لحظة من حياته، لا تقع في محيط منهاجه الشامل الدقيق. وتظل له مزية أخرى فوق ذلك: هي أن هذه السعة وهذه الإحاطة لا تخرجان به عن وحدة الهدف ووحدة الطريق. فهو ليس طرائق قددًا كل منها يؤدي إلى غاية منفصلة, ويجذب النفس في اتجاه، فتتمزق بين الشد والجذب، وإنما هو طريق واحد وغاية واحدة، تجمع كل شتات النفس وتوحدها. فتستقيم على النهج، وتتجمع على الغاية. فتلتقي النفس من داخلها في سلام بعضها مع بعض، وفي سلام من خارجها مع الكون والناس والحياة.