ثم إن الإسلام يفرض عليه فرضًا أن يشتغل بهذه الأمور العامة، لأنه ما من موقف للناس في أي شيء من الأشياء إلا واقع في حدود شرع الله. فهو إما واجب وإما مستحب وإما مباح وإما مكروه وإما محرم. وهو مكلف أن يحكم فيه بما أنزل الله، ثم يكون له منه موقف معين بحسب هذا الحكم، فيقره ويدعو إليه، أو ينكره ويجاهده "بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وهو أضعف الإيمان".
واقعي ... ولكنه ليس جامد الحس متحجر العواطف؛ لأن نداوة العواطف الإنسانية كسب للنفس أعظم بكثير وأروح بكثير من الكسب المادي. إنها هي الوجود الحقيقي للنفس الإنسانية بعد أن تشبع حاجات الجسد وتستقر:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} 1.
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} 2.
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 3.
ثم يطلقه الإسلام يحقق وجوده في الأرض. وجود الخليفة الراشد المكلف بعمارة الأرض بمقتضى منهج الله. يقيم فيها شريعة الله. ويمشي في مناكبها ليأكل من رزق الله. ويستغل الطاقات المسخرة له من عند الله. ويجاهد لإقامة الحق والعدل الذي يأمر به الله. ويكون في أثناء ذلك كله متخلقًا بأخلاق لا إله إلا الله، فيحقق بذلك المعنى الحقيقي لعبادة الله:
{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى