"إن من عباد الله أناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله تعالى". قالوا: يا رسول الله تخبرنا من هم؟ قال: "هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها. فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور. ولا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس". وقرأ هذه الآية: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} 1.
نعم. وكذلك يكون "الإنسان" كما خلقه الله في أحسن تقويم.
على هذا النحو الشامل المحكم يربي الإسلام الإنسان في مرحلة النضج.. يضعه أمام مسئولياته. وفي مقدمتها مسئوليته الكبرى أمام الله، التي تندرج تحتها جميع التكاليف وجميع المسئوليات.
{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ، وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} 2.
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} 3.
ويعمق في حسه معنى التوجه إلى الله بالعبادة والشكر والتوبة والإنابة:
{حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} 4.
ويحثه على العمل المنتج وعلى اكتساب الخبرة التي تصل إلى حد الإتقان. ويربي فيه النظرة الواقعية إلى الأمور، بغير انحرافات الجاهلية في نظرتها الواقعية، فلا هو يفصل بينه وبين ربه، ولا بينه وبين مثله وقيمه، ولا بينه وبين أهله وعشيرته، ولا بين دنياه وآخرته.