ما الذي يمنعهم أن يتعارفوا؟
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 1.
وإذا كان أهل المدينة الواسعة لا يستطيعون أن يتعارفوا كلهم، ولا أن يمارسوا التواد والمحبة على النطاق الواسع، فما الذي يمنع الجيران من أن يصنعوا ذلك؟ وما الذي يمنع أهل الحي الواحد، لو أنهم جعلوا ذلك في حسابهم ولم ينظروا إليه على أنه مضيعة للوقت والجهد؟
وأين يذهب الوقت والجهد الذي يضن به هؤلاء على العواطف الإنسانية وعلاقات المودة والقربى؟ أيذهب حقًّا في التقدم العلمي وزيادة الإنتاج؟
فأين إذن الوقت الذي يذهب في الملاهي والمسارح و"علب الليل" ومباءات النهار؟! والذي يذهب في نوادي القمار؟! والذي يذهب في السكر، وفي غيبوبة المخدر؟! والذي يذهب في التخطيط لارتكاب الجرائم، سواء الفردية أو الجماعية أو الدولية، ثم في تنفيذ تلك المخططات؟!
لو التقى أهل الحي في صلاة؟
لو التقوا في عيادة المريض منهم ومواساة المحزون؟
لو التقوا في سمر بريء نظيف يروحون فيه عن أنفسهم بغير مأثم؟
هل يؤثر ذلك في الإنتاج والتقدم العلمي؟!
كلا! إنه ليس التطور وإنما هي الانتكاس.
ومنهج التربية الإسلامية -وهو ينشئ الناس على الواقعية -لا يخفف عواطفهم، ولا ينزع روح المحبة والود بينهم، إنما يجعل ذلك متممًا للإيمان، وقرينًا للإيمان:
{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} 2.
"ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" 3.