{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 1.

فإذا كانوا اليوم متقدمين علميًّا واقتصاديًّا وحربيًّا وسياسيًّا وماديًّا برغم هذا الانتكاس في إنسانيتهم، فليس هذا مخالفًا لسنة الله التي عرفنا إياها في كتابه المنزل. إنما هو طور من أطوار تحركهم نحو الدمار:

{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} 2.

كلا! إنما أراد الله للإنسان أن يتقدم في ميدان العلم، وأن يسخر طاقات السموات والأرض ليقوم بعمارة الأرض والخلافة فيها "أي: السيطرة والتمكن والإنشاء والتغيير" وهو محافظ على إنسانيته الرفيعة التي كرمه الله بها، في كل مجال من مجالات الإنسانية، سواء مجال الحق والعدل، أو مجال العواطف الإنسانية، أو مجال الترابط الأسري، أو مجال الأخلاق.

وذلك باتباع منهج الله.

فحين يتبع الناس الهدى الرباني فسينشئون حضارة متوازنة، يتوازن فيها جانب المادة وجانب الروح. وقد تكفل الله بذلك للناس حين يؤمنون: {لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِم} {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} .

أما حين ينسون ما ذكروا به فقد تفتح عليهم أبواب كل شيء فترة من الوقت، وقد يتمتعون ويأكلون كالأنعام. ولكنهم لا يجدون البركة في حياتهم قط ولا يجدون الاطمئنان، لأن الاطمئنان لا يجيء إلا من ذكر الله الذي يرفضون هم أن يذكروه، وأن يباركوا حياتهم بذكره:

{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} 3.

وكذب ما يقولونه من أن العواطف والوجدانات لا مكان لها في عصر التقدم العلمي والمادي!

فما الذي يمنع الناس أن يكونوا آدميين حقًّا حين يتقدمون في ميدان العلم والإنتاج المادي؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015