كل فرد من الناس له استقلاله الاقتصادي، حتى الرجل والمرأة اللذان يكونان زوجًا وزوجة "! " فيصبح لكل منهم عالم مستقل، وتصبح الروابط بينهم روابط "عملية" لا روابط عاطفية ووجدانية! وذلك فضلًا عن أن سكان المدينة المزدحمة بالسكان، الدائمي التنقل من مكان إلى مكان، لا يمكن أن يتعارفوا، ولا أن تقوم بينهم الروابط -إلا تلك الروابط التي يقتضيها العمل- فينفرط عقدهم، ويصبح لكل منهم كيانه المستقل، لا يتدخل في شئون أحد ولا يتدخل أحد في شئونه. حتى الجيران في البيت الواحد لا علاقة لأحدهم بالآخر! ومن ثم لم يعد هناك مجال للوجدانات والعواطف، وانصرف كل إنسان إلى تنمية دخله الخاص، والتمتع بالحياة في حدود كيانه الخاص!
وصدقوا في وصف واقعهم الزري، وكذبوا في تعليله! وكذبوا كذلك في إعطائه صفة الشرعية والأمر الواقع المتسق مع طبائع الأشياء. فما يمكن -في خلق الله السوي- أن يهبط البشر عن إنسانيتهم كلما فتح عليهم فتح علمي أو تقدموا في عالم المادة، بله أن يهبطوا عن إنسانيتهم بمقدار ما يفتح عليهم في ميدان العلم والتقدم المادي!
لا يمكن أن يكون الله قد كتب على البشرية كلما قامت بتسخير طاقات الكون المسخر لها من عند الله، وكلما مشت في مناكب الأرض تأكل من رزق الله، وكلما تقدمت في العلم الذي وهبها الله إياه، أن تنقلب مسخًا مشوهًا لا يمت بسبب إلى "الإنسان" الذي خلقه الله ليكون خليفة في الأرض، وكرمه وفضله ورفعه فوق سائر الكائنات!
إنما يحدث هذا من الكفر بالله واليوم الآخر، ومن إقامة الحياة على غير الأسس الربانية التي أنزلها الله لتحكم حياة البشر على الأرض، ومن عمارة الأرض على غير المنهج الرباني الذي يكفل التقدم المادي والروحي في آن.
كلا! ليس هو التطور، وإنما هو الانتكاس!
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} 1.