فاعلية الله، وفاعلية السبب الظاهر والنتيجة الحتمية لا فاعلية قدر الله، فذلك حق، ولكنها كذلك "أبدعت" هذا القدر الرهيب من القلق والاضطراب والحيرة والجنون والانتحار والأمراض النفسية والعصبية والجريمة والإدمان على الخمر والإدمان على المخدرات. لأن صراع السبب والنتيجة لا يأتي دائمًا على ما يهوى الإنسان، ولأن القلوب هناك لا تطمئن بذكر الله كما تطمئن قلوب المؤمنين:
{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} 1
{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} 2.
وقد أبدع هؤلاء المؤمنون ما أبدعوا من حضارة وتقدم في واقع الأرض، دون أن يصيبهم ما يصيب الجاهلية المعاصرة في قلق دائم واضطراب.
أما الواقعية التي تسخر من العواطف البشرية، وتعدها مضيعة للوقت والجهد لا تأتي بعائد مادي، فقد حدثت في أوربا في الواقع نتيجة النضوب الروحي والوجداني الذي أصابهم بعد تنحية الدين من حياتهم، وقطع صلاتهم بالله واليوم الآخر. ولئن كانوا يسمونها واقعية فهم في الحقيقة يحاولون بذلك أن يستروا ذلك النضوب المعيب الذي يغشي حياتهم، والذي يعيشون في ظله آلات تعمل وتنتج دون أن تحس.
بل إنها لتحس!
تحس بالفراغ القاتل فتروح تحاول ملأه باللهو والعبث والمجون، وتحاول ملأه بالمخدرات والخمر، وتحاول ملأه بالإغراق في الجنس. ولتجأ أحيانًا إلى الكلاب! وعدد الكلاب في أوربا وأمريكا يكاد يصل أحيانا إلى نصف السكان!
ثم قالوا إن هذا نتيجة التطور!
ففي المجتمع الزراعي "المتأخر" تكون للناس عواطف ووجدانات، وروابط أسرية واجتماعية، ويتعاون الناس ويتوادون، لأن طبيعة الحياة الريفية تستوجب ذلك! أما في المجتمع الصناعي "المتطور" فتنفك هذه الروابط وتتقطع، لأن