نظام الكون كله متى شاء. ولكنه في الوقت ذاته يعمل على أساس أن السنة الجارية هي الأقرب احتمالًا. فيعد العدة ويتخذ الأسباب، ثم يتوكل على الله.
ومن هنا كذلك لا يحتاج المسلم -لكي تكون له فاعليته في الأرض، ولكي يغير وينشئ- أن يلغي الإيمان بقدر الله وقدرته. ولا يدفعه إيمانه بقدر الله -على الطريقة الإسلامية الصحيحة- إلى السلبية والتواكل وعدم اتخاذ العدة وعدم اتخاذ الأسباب. إنما كان الانحراف الذي وقع فيه المسلمون في القرون الأخيرة سببه فساد عقيدة القضاء والقدر عندهم، لا تلك العقيدة في ذاتها، لأن هذه العقيدة ذاتها -في صورتها السوية- هي التي دفعت المسلمين إلى تلك الفاعلية الفذة في واقع الأرض، فغيروا فيها -في عالم الحرب وعالم السياسة وعالم العقيدة وعالم الاقتصاد وعالم المادة وعالم الفن ... إلخ- ما لم يتح لأمة أخرى في الأرض في مثل ذلك الزمن القصير!
ولم يكن في حس المسلمين الأوائل قط أن الواقع الموجود لا يمكن تغييره لأنه قائم بقدر من الله! فقد جاءوا هم -بقدر من الله- لتغيير هذا الواقع، بمقتضى المنهج الرباني المنزل عليهم، وبمقتضى الأمانة التي يحملها "الإنسان"، وبمقتضى الفاعلية البشرية المتضمنة في "الخلافة" التي خلق الله من أجلها الإنسان.
ولم يكن في حسهم كذلك أن محاولة تغيير الواقع السيئ أو الواقع المنحرف يكون تمردًا على قدر الله. لأن الله لم يقبل من المشركين قولهم: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} 1.
إنما يتوجه المسلم -صاحب العقيدة السليمة- إلى تغيير الواقع السيئ والواقع المنحرف تطلعًا إلى قدر الله أن ينصره على هذا الواقع ويعينه على تغييره. وهذا معنى التوكل بعد اتخاذ الأسباب:
{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} 2.
فإذا قال قائل إن أوربا قد أبدعت ما أبدعت في ظل الإيمان بفاعلية الإنسان لا