{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} 1

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} 2.

وبذلك يتوازن في حس المسلم إيمانه بفاعلية قدر الله في الكون وإيمانه بفاعلية الإنسان ومسئوليته عما يعمل، بغير تعارض ولا افتراق:

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} 3.

ثم إن الإسلام يعلم المسلم في ذات الوقت أن مع طلاقة المشيئة بالربانية فإن له سنة جارية تعمل في الكون حسب نواميس معينة غير قابلة للتغيير:

{فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} 4.

وأن على الإنسان أن يتجنب الاصطدام بهذه السنة ومعارضتها, فإن ذلك يجلب عليه الدمار والبوار، إنما عليه أن يتجاوب معها ويستجيب لها فيكتب له الفلاح.

وهكذا يعمل المسلم في واقع الأرض ملتزمًا بتلك السنن، متوقعًا على الدوام أن يرى نتيجة عمله بمقتضى تلك السنن الربانية الثابتة، ولكنه يدرك على الدوام أنه ليس السبب الظاهر هو الذي يفعل، إنما هو الله. وأن النتيجة لا تأتي تلقائيًّا من السبب الظاهر، إنما تأتي من ترتيب الله لها وتقديره لها بقدر من عنده. وأنه لو شاء الله ألا تترتب النتيجة المعينة على السبب، إنما تترتب عليه نتيجة أخرى، فليس هناك قوة في الكون كله تحول دون ما قدر الله.

ومن هنا لا يتعارض في حس المسلم إيمانه بالسبب والنتيجة -حسب السنة الربانية الجارية- وإيمانه بالمعجزة التي تختلف فيها النتيجة عن السبب الظاهر، وتعمل فيها سنة أخرى من سنن الله هي السنة الخارقة، فيؤمن بالوحي، وبالمعجزات والخوارق التي جاءت على يد الأنبياء والرسل، وبأن الله قادر على تغيير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015