لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ، أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} 1.
وحين حبست الجاهلية المعاصرة روح الإنسان عن النظر في دلالات الكون المادي التي تتجاوز مدى ما تدركه الحواس. وقعت في حيرة وبلبلة في الرد على أسئلة الفطرة عن الخالق وعن مهمة الإنسان في الأرض وعن مصيره بعد الموت واضطرت أن تضع أجوبة زائفة عن هذه الأسئلة التي لا معدى عن ورودها على الفطرة ولا مهرب من الإجابة عنها:
الطبيعة هي الخالق! "وظلت حقيقة الخلق وكنهه وكيفيته محجوبة عن الأبصار، تتهرب من الحديث عنها كل علوم الجاهلية! ".
والإنسان سيد الطبيعة "وهي خالقته" وهو عبد الحتميات: المادية والاقتصادية والتاريخية "وهي من صنع الطبيعة والإنسان المقيد بقوانين الطبيعة"! وهكذا يتأرجح بين السيادة والعبودية للشيء الواحد! ويظل في حيرة بين هذه وتلك، بدلًا من الرؤية الواضحة الصافية المطمئنة حين يكون عبدًا لله وسيدًا للكون المادي الذي خلقه الله:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} 2.
{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} 3.
أما مصيره بعد الموت فهو أمر تتجاهل الجاهلية المعاصرة الحديث فيه، أو تقول كما قالت جاهليات من قبل:
{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} 4.
أما الإسلام فيعطي الإنسان تصورًا كاملًا للبعث والنشور، والحساب والجزاء، كما يعطيه الإجابة الصحيحة لكل ما يرد على الفطرة من تساؤلات حول الكون والحياة والإنسان.
ثم إن حياة المسلمين التاريخية لم يحدث فيها ما يدفعهم إلى إنكار "الغيبيات" من أجل إصلاح الأرض. بل حدث العكس! فإن العرب حملة هذا الدين