وهو مديح ولا شك، لأن القدرة على الإيمان بالغيب، وعدم الانحصار فيما تدركه الحواس، هو من آيات التكريم لهذا المخلوق البشري الذي كرمه الله وفضله على كثير ممن خلق، والذي أعده لدور الخلافة في الأرض، ولحمل الأمانة التي عجزت عن حملها السموات والأرض.
والجاهلية المعاصرة -بما ترتكبه من حماقة مفرطة في حق "الإنسان"- تريد أن ترد
عنه هذه الكرامة التي كرمه الله بها الله، وترده إلى عالم الحيوان الذي حبسته الداروينية في إطاره، فتحصره في ضيق العالم المحسوس، وتحجبه حتى عن دلالات هذا العالم التي تتجاوز مدى ما تدركه الحواس، وتحبس روحه عن التحليق الطليق في جو تلك الدلالات.
والإسلام دين الفطرة.. يخاطب الفطرة كلها مجتمعة، ويتجاوب معها مجتمعة.
يتيح لها، بل يحثها على النظر في العالم المحسوس، ولكنه لا يحبسها فيه، بل يطلقها تتدبر دلالاته، فتؤمن بالله واليوم الآخر:
{وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} 1.
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} 2.
فالله حق. تدل دلائل الوجود كله على وجوده ووحدانيته. واليوم الآخر حق، يرشح للإيمان به قدرة الله على الخلق من جهة، ونفي العبث عن الحق جل جلاله من جهة أخرى.
{أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 3.
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} 4.
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} 5.
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ