يمكن أن يحقق لها الإصلاح المنشود وهو الإسلام. لذلك كفرت بالله واليوم الآخر، وسمت كفرها ذلك "واقعية"! وقالت: نؤمن فقط بما تدركه الحواس! وسمت الإيمان بالله واليوم الآخر غيبيات مريضة ينبغي أن يتحرر منها التفكير العلمي والتفكير الواقعي اللائق بالإنسان المتحضر!
ثم انكبت أوربا على "إصلاح" الأرض بعد طول إهمالها في ظل "التفكير الغيبي" المسيحي، فأقامت فيها العمران المادي الذي وصل إلى صورته الباهرة في ظل التقدم العلمي، وراحت تحاول أن تحطم الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي قام عندها في عصورها الوسطى في ظل العقلية "الغيبية" كما صاغتها الكنيسة، والذي تمثل عندهم في صورة الإقطاع، فكانت الديمقراطية الرأسمالية وتبعتها الشيوعية, وبصرف النظر عن كون الرأسمالية والشيوعية إصلاحًا في الأرض أو إفسادًا في الحقيقة يضاف إلى فساد الإقطاع من قبل، وكلها نظم جاهلية متعاقبة، فإن فكرة "الإصلاح" امتزجت في الحس الأوربي بالواقعية التي تنكر الآخرة وتنبذ الغيبيات.
هذه الواقعية التي لا تؤمن إلا بما تدركه الحواس، والتي تجعل الإيمان بالله واليوم الآخر مزاجًا شخصيًّا لمن أراد أن يؤمن به، على ألا تكون له صلة على الإطلاق بواقع الحياة. هذه الواقعية لا يتقبلها الإسلام من جهة، ولم يقع في حياة المسلمين ما يدفعهم إليها من جهة أخرى!
فالإسلام قائم على الإيمان بالغيب. ولكنه ليس الإيمان الأعمى بغير دليل، فمن صفات "عباد الرحمن":
{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} 1.
إنما هو الإيمان بالحق الذي تدل عليه الدلائل ولو لم تدركه الحواس، وهو على هذه الصورة الصفة الأولى التي يوصف بها المؤمنون، والتي يمتدحون بها كذلك:
{الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} 2.