أعطي شرعية الوجود! والنماذج في الجاهلية المعاصرة أكثر من أن تحصى. كلما اعترف "الواقعيون" بالواقع الذي يرونه قائمًا في مجتمعهم، ولم يعملوا على مقاومته ولا محاولة رفعه بحجة "الواقعية"! "جاء" واقع جديد أسوأ منه، وصار بدوره "أمرًا واقعًا" يجد من يدافعون عنه، ويطالبون بالاعتراف به "لكي نكون واقعيين"! وهكذا أقر مجلس العموم البريطاني الشذوذ الجنسي واعتبره أمرًا مشروعًا يدخل في نطاق الحرية الشخصية، وباركته إحدى الكنائس في هولندا، فعقد القسيس عقد زواج "شرعي" في داخل الكنيسة بين شاب وشاب!! وأقر البرلمان الدنمركي تعاطي المخدرات التي يتناولها الفتيان والفتيات حقنًا تحد الجلد في الشوارع والمركبات العامة. وأقرت أوربا وأمريكا المسرحيات العارية التي يمارس فيها الجنس علانية على خشبة المسرح أو على شاشة التليفزيون.. ولا يستطيع الخيال أن يتصور ما يأتي به الغد من صور "الواقعية" المتدنية إلى أدنى من مستوى الحيوان!
أما الواقعية التي تبحث عن "المنفعة" بصرف النظر عن "الأخلاق" فلا يقرها الإسلام في أي نوع من أنواع التعامل السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، أيًّا كانت المبررات التي تعطى للتبرير.
فهو يربي أبناءه مثلًا على الوفاء بالمواثيق سواء كان الوفاء بها صفقة رابحة من وجهة النظر البشرية أم صفقة خاسرة. ولا يجيز لأبنائه -كما تجيز الجاهلية المعاصرة في العلاقات الدولية خاصة- أن ينكلوا عن مواثيقهم حين يرون -بعين المصلحة القريبة- أن النكول عنها أربح لهم من المحافظة عليها:
{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ، وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} 1.
ويعتبر نقض المواثيق على هذه الصورة من جانب الأمة الإسلامية صدًّا عن سبيل الله: