أنها غير واقعية! ومعاملة الإنسان على مستواه الأدنى، قريبًا من غرائزه ودوافعه الدنيا، بدعوى أن هذا هو "الواقع" بالنسبة للإنسان!
والواقعية من جهة أخرى هي البحث عن المنفعة من أي سبيل تجيء، وإقصاء "الأخلاق" من كل التعامل الأرضي سواء في عالم السياسة -والدولية بصفة خاصة- أو في العلاقات الاقتصادية أو العلاقات الاجتماعية.. إلخ.
والواقعية من جهة ثالثة هي الانكباب على الحياة الدنيا "بدعوى إصلاحها! " والانصراف عن الآخرة بوصفها "غيبيان" لا ينبغي للعقل المتقدم أن يؤمن بها أو يعطل دفعة الحياة من أجلها!
والواقعية من جهة رابعة هي حصر الأمور كلها في السبب الظاهر والنتيجة الحتمية، ونفي قدر الله المهيمن على الأمور.
والواقعية أخيرًا هي نبذ العواطف "الإنسانية" بدعوى أنها مضيعة للوقت والجهد دون مقابل "مادي".
تلك خمسة أنواع -على الأقل- من الانحرافات الواقعة في نظرة الجاهلية المعاصرة إلى "الواقعية"! والإسلام -وهو يربي النظرة الواقعية إلى الأمور في مرحلة النضج- يربيها بريئة من مثل هذه الانحرافات.
فالواقعية الإسلامية -ابتداء- لا تأخذ الواقع الإنساني الأدنى على أنه هو "الإنسان" الذي ينبغي التعامل معه في عالم الواقع، ولا تنبذ الواقع الأعلى للإنسان، الذي يمكن أن يصل إليه بالتهذيب الروحي المستمر، الذي عاشته الأمة الإسلامية الأولى على فترة غير قصيرة من الزمن نموذج لما يستطيع الإنسان أن يصل إليه من درجات الصعود، وهو في حدود بشريته ما يزال.
قل -إن شئتت- إن واقعية الإسلام هي الواقعية المثالية، التي تضع المثال على أنه قابل للتطبيق، وتحاول أن تصل إلى درجة المثال في غير عنت ولا اقتسار. هي الواقعية التي تأخذ الإنسان من واقعه الذي يعيشه- أيًّا كانت درجة هبوطه- وتحاول أن تصعد به إلى المرتقى السامق الذي يقدر عليه الإنسان وهو "في أحسن تقويم"1.