وبذلك تصبح خدمة الإنسان جزءًا من خدمة الله بلا تعارض ولا افتراق. وكما يوجه الإسلام إلى النظر في الغاية يوجه كذلك إلى الجانب العملي، بمعنى تحويل المفاهيم النظرية إلى واقع مطبق.
ولقد أشرنا في الفصل الماضي إلى هذا الدرس التوجيهي في القرآن.
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ، رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًّا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} 1.
وقلنا إن هذا التفكر والتدبر والضراعة الحارة قد استجاب لها الله حين أصبحت عملًا يحقق مقتضى التفكير والتدبر والضراعة في صورة سلوك واقعي.
ولئن كان هذا توجيهًا "عقيديًّا" بمعنى أنه توجيه إلى تحويل العقيدة من أمر مستكن داخل القلب إلى واقع سلوكي، فإنه في الحقيقة توجه شامل لكل نشاط الإنسان على الأرض، لأن العقيدة في الإسلام تشمل كل شيء في حياة الإنسان:
{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ} 2.
ومن ثم فهو توجيه للنظر العقلي كذلك، لتحويل هذا النظر في النهاية إلى صورة سلوكية تطبيقية مشهودة في واقع الأرض.
وذلك كله تربية للنظرة الواقعية -في مرحلة النضج خاصة- في ضوء المنهج الإسلامي الشامل المحكم، ولكن بعيدًا عن انحرافات "الواقعية" كما نراها في الجاهلية المعاصرة بصفة خاصة.
فالواقعية في عرف الجاهلية المعاصرة هي الانصراف عن "المثاليات" بدعوى