ولكن الإسلام -مع إباحة الأصل- يكره للمرأة أن تعمل بغير ضرورة ملجئة ملحة.
وفي المجتمع الإسلامي الحقيقي، الذي يطبق المنهج الرباني ويعيش في ظل الشريعة الإسلامية، لا تنشأ تلك الحاجة الملجئة الملحة إلا في أحوال نادرة لا تصبح قط أصلًا من أصول المجتمع الإسلامي.
فالمرأة في جميع أحوالها مكفولة الرعاية في الإسلام، من أجل أن تتفرغ لوظيفتها العظمى في تنشئة الأجيال. ففي طفولتها يرعاها والدها أو من يكلف شرعًا بالإنفاق عليها في حالة عدم وجوده. ثم هي -زوجة- يكفلها زوجها، وأبناؤه من بعده إن عجز هو عن الكسب. وبيت المال مكلف بالإنفاق على من تقعده به وسائله عن العيش الكريم رجلًا كان أو امرأة، بالإضافة إلى التكافل الذي يتميز به المجتمع الإسلامي سواء على نطاق الأسرة أو على النطاق الأوسع، والذي ترعى به حاجة المحتاجين ويرفع عنهم العنت. وهكذا تجد المرأة في جميع الأحوال من يكفلها، فلا تحتاج إلى العمل إلا في النادر القليل.
ثم إن في المجتمع الإسلامي من جانب آخر مجالات معينة لا يحسن أن تعمل فيها إلا المرأة، كتعليم البنات وتطبيب النساء وتمريضهن وما أشبه ذلك من الأعمال. فهذه تعمل فيها المرأة المسلمة الملتزمة بلا حرج. ولكن يظل البيت دائمًا هو الهدف الأول والموئل الأول، وتظل الأعمال الأخرى بديلًا ثانويًّا أو إضافة ثانوية، تقوم بها من كان لديها الرغبة من جهة والقدرة من جهة أخرى.
والإسلام يساوق الفطرة التي تتجه في مرحلة النضج إلى العمل وتحمل المسئولية. ولكنه يوزع الأعمال حسب التكوين الفطري لكل من الرجل والمرأة، وحسب التكاليف المطلوبة من الرجل والمرأة، لحساب الأسرة وحساب المجتمع وحساب الأجيال، ولا يعتبر "العمل" هو فقط ذلك الذي يؤدى خارج البيت، والذي يتناول الإنسان عنه أجرًا معينًا في نهاية الشهر أو نهاية الأسبوع. إنما يتعامل مع حقائق الأشياء. "فالعمل" في حقيقته هو ذلك الذي يبذل فيه الجهد -الجثماني أو العقلي أو كلاهما معًا- ليؤدي خدمة معينة للبشرية، أيًّا كان المكان الذي يتم فيه، وأيًّا كانت صورة الأجر الذي يعطى عليه. ولا يقر الإسلام تلك اللوثة الجاهلية التي تخرج المرأة من عملها الفطري لتعمل عملًا آخر، تفقد