وحين نتحدث عن "العمل" يعرض لنا في جاهليتنا المعاصرة موضوع عمل المرأة في خارج البيت.
ففي المجتمعات الجاهلية التي تملأ وجه الأرض اليوم يعمل الرجال ويعمل النساء على السواء. ولا يكون الدافع إلى عمل المرأة في كل حالة هو الحاجة الاقتصادية سواء لنفسها أو للمجتمع الذي تعيش فيه "وإن قيل هذا في ظاهر الأمر للتبرير" إنما تعمل المرأة فقط لأن الرجل يعمل، ولأن المرأة ينبغي أن تعمل مثله، لكي تصبح مثله في كل شيء! ذلك أن الجاهلية تنشئ المرأة كالرجل، فتعلمها على مناهج الرجل، وتضع في رأسها أنها ينبغي أن تكون كالرجل في كل شيء، ثم تمضي في الطريق خطوة أبعد، فتدرب النساء على العمل كالرجال سواء.
وعلى الرغم من أن معظم العمل المتاح للنساء في أمريكا هو عمل "السكرتيرات" سواء كانت "سكرتيرة" خاصة أو عامة. وأن معظم العمل المتاح للنساء في روسيا هو العمل اليدوي في المصانع, بالإضافة إلى تنظيف للشوارع, وحمل حقائب المسافرين في المطارات, ومحطات السكك الحديدية. فإن مجال العمل مفتوح -نظريًّا- للرجال والنساء على السواء، كما أن "العمل" في حد ذاته هو الأمر الطبيعي للنساء كما هو للرجال على السواء!
وتحرص الجاهلية المعاصرة -في جميع الأحوال- على ألا تنشئ المرأة لتكون أنثى! لتكون زوجة وأمًّا وربة بيت، وليكون "البيت" في حسها هو "العمل" المطلوب منها، والذي تكون في وضعها الطبيعي حين تؤديه! إنما تضع في حسها احتقار هذا كله، والنظر إليه على أنه حطة من شأنها، وأنه -حتى إن شغلها في يوم من الأيام- فإنما يشغل جانبًا هامشيًّا من حياتها، ليس هو الجانب الأكبر ولا الأخطر ولا الأهم!
إنما تتجه المرأة -"المثقفة"- أول ما تتجه حين تفرغ من دراستها -الرجالية- إلى "العمل" والعمل في مجالات الرجال بالذات لتحقق كيانها! أما أن تكون زوجة وأمًّا- إن حدث هذا في أي يوم من الأيام- فليس هذا هو الذي يحقق كيانها، ولا الذي يعطيها قيمتها في المجتمع! إنما هو عمل لا بأس من أدائه -أحيانًا! - على ذات الصورة الرجالية التي يمكن للرجل أن يقوم بها! فالرجل يعمل -أساسًا- في المصنع أو المتجر أو المكتب أو الديوان،