المراحل السابقة كلها مراحل إعداد، واعتبرنا مرحلة النضج هي المرحلة التي تعطي "الثمرة" بعد طول الرعاية والإعداد.

والقرآن إن كان يخاطب النفس البشرية بصفة عامة والمؤمنين بصفة خاصة، فإنه يخاطب مرحلة النضج بصفة أخص.

ونحن -بالمنهج الإسلامي المتضمن في الكتاب والسنة- نربي "الإنسان" في جميع أطواره، طفلًا ومراهقًا وشابًّا صغيرًا وإنسانًا ناضجًا. ولكن الإنسان الناضج أقدر على التلقي المباشر من المنهج الإسلامي، يقرأ القرآن فيجد كأن القرآن يخاطبه خطابًا مباشرًا، ويقرأ توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم فيحس كأنما هي موجهة إليه بالذات. ثم يحس أنه يملك الآن من الوعي ومن الاستعداد ما يتعامل به تعاملًا مباشرًا مع الكتاب والسنة.

وليس معنى هذا أن المربين قد انتهت الآن مهمتهم، ولم يعد لهم دور يؤدونه في مرحلة النضج. كلا! فقد كان المربي الأعظم صلوات الله عليه وسلامه يوجه الصغار والكبار، ويربي الصغار والكبار، لأن الناس جميعًا في حاجة إلى التربية والتوجيه في كل مرحلة من مراحل نموهم، إلى أن ينتهي دورهم في الحياة الدنيا. إنما معناه فقط أن الناس في مرحلة النضج في حاجة إلى نوع آخر من التوجيه غير الذي كانوا يتلقونه من قبل، هو التوجيه "العام" الذي يخاطب البشرية كلها أو يخاطب جماعة المؤمنين بصفة خاصة، وأن "المربي" الذي يحتاجون إليه الآن هو مرب من نوع آخر غير المربي "الخاص" الذي كان يتعهدهم منذ طفولتهم في البيت أو المدرسة، هو مرب له صفة "القيادة" سواء القيادة الفكرية أو الروحية أو السياسية أو الاجتماعية أو غيرها من أنواع القيادات.

وفي المجتمع المسلم الذي يتحاكم إلى شريعة الله ويحكمه منهج الله، توجد هذه القيادة دائمًا في صورة من الصور.

توجد بادئ ذي بدء في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. والسيرة النبوية الشريفة هي عنصر دائم من عناصر التربية الإسلامية لا يستغني عنه جيل من الأجيال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015