أضعاف أضعافها في العدد والعدة -وإن كان هذا كله عجيبة من عجائب التاريخ- إنما كان أعجب منه -وأندر في تاريخ البشرية كله- ذلك العدل الذي حكموا به أنفسهم وحكموا به البلاد المفتوحة "وحادثة القبطي مع ابن عمرو بن العاص شاهد يكفي" وذلك الاستعلاء بالإيمان -وحده دون كل متاع الأرض- "وحادثة ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس شاهد يكفي" وذلك الإيثار الذي شهد به الله سبحانه وتعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} 1 {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} 2 وتلك الطاعة الخالصة لله "وحادثة إعلان تحريم الخمر في المدينة شاهد يكفي" وذلك الخضوع للحق من أجل أنه الحق "وحادثة عمر مع سلمان حين قال له سلمان: لا سمع لك علينا اليوم ولا طاعة حتى تبين لنا من أين لك هذا البرد الذي ائتزرت به؟ وحادثته مع المرأة التي قال لها: أخطأ عمر وأصابت امرأة، شاهد يكفي" وذلك التكافل الذي شهده المجتمع الإسلامي قرونًا عدة "رغم ما حدث من انحراف الحكم عن حقيقة الإسلام" وذلك الوفاء بالمواثيق الذي ظل المسلمون يحافظون عليه قرونًا عدة "رغم خيانات أعدائهم ونكثهم بالعهود والمواثيق, كما حدث مع صلاح الدين أيام الحروب الصليبية وغيره وغيره" وتلك الحضارة "الإنسانية" الرفيعة التي تتقدم التقدم المادي المتاح كله ثم لا تهمل عالم الروح ولا تفصل الدنيا عن الآخرة ولا ينسيها "التحضر" عبادة الله ولا نقول يصرفها عن الله، وتلك الأخلاق -وأخلاقيات الجنس خاصة- التي ظلت سائدة في المجتمع الإسلامي عدة قرون حتى بعد أن فسد الحكم وبعد عن الأخلاق.
ذلك هو المنهج الرباني، وتلك حصيلته الواقعية لا في جيل الرسول صلى الله عليه وسلم وحده، وإنما على مدى أجيال.
ومرحلة النضج هي أولى المراحل أن يتمثل فيها هذا كله، إذا اعتبرنا