ثم تكون الخطوة التالية هي إقامة البناء ذاته. هي بناء النفس بمقتضى هذا "العلم" الذي تعلمته من العقيدة. فإن لهذه العقيدة مقتضى. ولا تكون موجودة على الحقيقة إلا حين يتحقق مقتضاها في واقع الأرض.
والبناء على مقتضى العلم يكون بتربية النفوس على طاعة الله.
فإن النفوس التي تعلم -إلى درجة اليقين- أن الله واحد لا شريك له في الخلق ولا في الرزق ولا في الضر ولا في النفع ولا في التدبير.
وتعلم -إلى درجة اليقين- أن مهمة الإنسان في الأرض محصورة في عبادة الله، ثم يتسع علمها فتعلم أن عبادة الله ليست هي ساعة "التعبد" التي لا تستغرق وقت الإنسان ولا جهده، ولا تكاد تشغل من حياته إلا سويعات من كل يوم، إنما هي الحياة كلها حتى الموت، بل الموت ذاته كذلك "بأن يكون على طاعة الله وفي سبيل الله": {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ} 1 وأن العبادة الحقة هي القيام بكل التكاليف الربانية كما أمر بها الله، سواء كانت هي عمارة الأرض، أو السعي للرزق، أو إنشاء أسرة وتحمل تبعاتها، أو إقامة الحق والعدل في الأرض: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} 2 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} 3 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 4 أو الجهاد في سبيل الله: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا، وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} 5 أو كان غير ذلك من التكاليف الكثيرة المنبثة في كتاب الله وسنة رسوله.
والنفوس التي تعلم إلى درجة اليقين أنها راجعة إلى الله فمحاسبها الله على