ما خلقت باطلًا، إنما خلقت بالحق. ومقتضى ذلك الحق هو البعث والنشور والحساب والجزاء:
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 1.
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ، أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} 2.
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} 3.
وهذه العقيدة هي التي تجيبه عن تساؤلات الفطرة: من أين وإلى أين، فتقول له إن الله هو الذي خلق الإنسان، فهذه بدايته، وأنه راجع إليه, فهذا منتهاه:
{وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} 4.
وهي التي تعرفه بحقيقة نفسه وحقيقة دوره على الأرض: إنه "إنسان" منذ مولده. لم يكن حيوانًا، وليس ملكًا، وليس شيطانًا، وليس إلهًا كذلك. إنما هو إنسان. خلق منذ أول لحظة خلقًا مغايرًا للحيوان، ولمهمة مختلفة عن مهمة الحيوان، هي الخلافة في الأرض، وتعمير الأرض بمقتضى منهج الله. ودوره في الأرض أن يعبد الله -بالمعنى الشامل للعبادة الذي بيناه من قبل- وليقيم الحق والعدل في الأرض، فتقوم حياته بالقسط، وليجاهد في سبيل ذلك كله بما يقتضيه منه الجهاد. وموقفه من "القوى" أنه هو القوة المسيطرة في الأرض، بمقتضى الخلافة التي خلقه الله من أجلها، وسخر له ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه ليقوم بها على وجهها الأكمل!
وحين تعرف النفس الإنسانية ذلك كله تكون قد تهيأت للبناء السليم, ويكون هذا أول هدف تقوم به هذه العقيدة الضخمة في حياة النفوس.