إنما أول الطريق هو بناء النفس الإنسانية على المنهج الحق. بناء "الإنسان الصالح" كما قلنا في هذا الفصل.
بناء الإنسان الذي يعرف هذه الحقيقة الكبرى: "أنه لا إله إلا الله، ويؤمن بذلك الإيمان الحق، الذي يتعمق نفسه حتى آخر أعماقها، فيعيد إنشاءها، كما يمر المغنطيس على قطعة الحديد فيعيد ترتيب ذراتها، فإذا هي شيء آخر غير الذي كان من قبل. شيء تنبعث منه المغنطيسية وتنتج منه الكهرباء. فتصبح له "طاقة" جديدة لم تكن له من قبل.
الإنسان الذي يرى الرؤية الصافية لهذا الوجود.. من خلقه؟ من أبدعه؟ من يدبر أمره؟ أي آيات معجزة فيه؟ ما دلالة هذه الآيات؟ ويرى الرؤية الصافية للوجود الإنساني: من أين؟ وإلى أين؟ من أين يبدأ وإلى أين المصير؟ وما الإنسان؟ أحيوان هو أم ملك أم شيطان أم "إنسان"؟! وما دوره في الأرض: يتجبر في الأرض؟ يتلذذ بمتاع الأرض؟ يقيم الحق والعدل في الأرض؟ يعبد الله؟ أم يعبد نفسه -أي: شهواته-؟ أم يعبد "الطبيعة"؟ أم يعبد الدولة؟ أم يعبد الدرهم والدينار -أو الدولار؟ وما مكانه من "القوى" الأخرى في الوجود: القوى المادية، والقوى الاقتصادية، والقوى التاريخية. أعبد لها هو أم سيد؟ وما دوره معها؟ يصوغها أم تصوغه؟ ويتفاعل معها تفاعل المسيطر أم تفاعل المغلوب على أمره الذي لا حيلة له.
مئات من الأشياء تحتاج إلى رؤية صافية، لأنها هي هي التي تشكل منهج الحياة في الأرض، فضلًا عن مستقبل الإنسان في الآخرة.
وأول الطريق في المنهج الرباني هو بناء النفس الإنسانية التي تملك الرؤية الصافية.. تملكها في العقيدة.. تملكها في لا إله إلا الله.
إن هذه العقيدة الإسلامية الواضحة الصافية. "لا إله إلا الله" لهي التي تمنح هذه الرؤية الصافية التي يحتاج إليها الإنسان، حين تقول له: إن الله هو الذي خلق هذا الوجود وأبدعه، وهو الذي يدبر أمره، وهو الذي أودع فيه هذه الآيات المعجزة لتدل الإنسان على إلهه، وتعرفه بقدرته المعجزة التي لا يعجزها شيء في السموات ولا في الأرض، وتدله على أن السموات والأرض