كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يعهد إليه بمهام خطيرة يعجب الإنسان لها ولا ينقضي عجبه منها!
فكم كان عمر أسامة بن زيد حين عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيادة جيش من جيوش المسلمين؟! كان في الثامنة عشرة من عمره. وهي سن يقضيها بعض الناس في مراهقة مريضة أو عبث صبياني مرذول! ويقضيها في أحسن الأحوال في تطلع إلى اليوم الذي يحمل فيه المسئولية, ويقوم بعمل نافع في الحياة!
وكان محمد بن القاسم في التاسعة عشرة حين وصل بفتوحاته في عهد الوليد بن عبد الملك إلى حدود الصين. وكان عبد الرحمن الداخل الملقب بصقر قريش دون الخامسة والعشرين حين أقام دولته في الأندلس. وغيرهم وغيرهم.
ألا أن الإيمان الحق ليسرع بالإنسان إلى اكتمال النضج، ويشحذ العزيمة كما يشحذ المواهب، ويرفع من لديه الاستعداد إلى مستوى العبقرية!
و"المسئولية" الضخمة التي يضع الإسلام الإنسان فيها -أيًّا كان تخصصه الفردي، وأيًّا كانت مواهبه واستعداداته- هي إقامة منهج الله في الأرض.
هي المجاهدة لكي تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله.
وهي مسئولية لا تنحصر في جانب واحد. لا تنحصر في "القتال" كما قد يبدو الأمر لأول وهلة. إنما القتال هو جانب واحد من جوانبها المتعددة. ولو كان الأمر أمر قتال فحسب، فقد كان يكفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يربي جيشًا من المقاتلين الشجعان ولا زيادة! وما أصغره من هدف لو انحصر فيه الأمر كله، هدف تحسنه كل الجاهليات الكبرى في التاريخ! عرفته من قبل الجاهلية الفرعونية والجاهلية الإغريقية والرومانية والفارسية وغيرها.. وعرفته في الحديث جاهليات أوربا وأمريكا، وتسابقت فيه وتفننت، سواء جيش هتلر من قبل، أو جيش روسيا وجيوش الحلفاء اليوم!
إنما القتال أمر عارض يعرض في الطريق، لا هو أول الطريق ولا آخر الطريق!