الحدود المرسومة له ويهبط بذلك إلى مستوى الحيوان؟ أم يلجأ إلى طاقته الروحية، وعقله، وإرادته الضابطة، فيستجيب لأوامر الله، ويمتنع عن القدر الزائد من المتاع -وإن كان يشتهيه- فيحقق بذلك كيانه الأعلى، كيان الإنسان، وينصرف إلى الآفاق العليا التي كرمه الله بها، وفضله على كثير ممن خلق؟
ثم جعل له الجنة جزاء النجاح في الاختبار، والتزام حدود الله، التي تحقق له في ذات الوقت مصلحته الحقيقية في الحياة الدنيا، كما جعل النار جزاء المعصية التي ينتج عنها في الوقت ذاته البوار والدمار في حياته على الأرض.
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} 1.
{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} 2.
{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} 3.
ولقد أخبره عند هبوطه إلى الأرض -بعد فتنة الشيطان له وإخراجه من الجنة -أنه سيرسل له هدى عليه أن يلتزم به, ليصلح حاله في الدنيا والآخرة:
{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 4.
وعلمه أن المطلوب منه -في كلمة واحدة- أن يعبد الله ولا يشرك به شيئًا:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 5.
{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} 6.
ولكنها عبادة شاملة، تشمل كيان الإنسان كله، كما تشمل حياته كلها لا لحظة "التعبد" المعروفة فحسب: