فقد خلق الإنسان ابتداء من قبضة من طين الأرض ونفخه من روح الله:
{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} 1.
قبضة من طين الأرض تمنحه كيانه الجسدي الذي يتحرك ويعمل ويقوم بالنشاط الحيوي، والذي تكمن فيه في الوقت ذاته رغائب الأرض وشهواتها.
ونفخة من روح الله تمنحه شفافية روحه، وإدراك عقله، وقدرته على التمييز بين الخير والشر، وإرادته الضابطة التي تتحكم في الشهوات:
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} 2.
{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا، إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} 3.
وإذ ركب في كيانه مجموعة من الرغائب والشهوات قد أباح له الله قدرًا من المتاع الأرضي يستجيب لتلك الشهوات المركبة في كيانه، ويعلم الله أنه القدر النافع لهذا الكيان، المعين له على أداء مهمة الخلافة في الأرض، وجعله "خالصًا للذين يلتزمون به طاعة لله وإيمانًا به:
{وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} 4.
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 5.
وفي الوقت ذاته منع عنه قسطا آخر من المتاع يعلم سبحانه وتعالى أنه لا يفيد هذا الكيان في حياته الدنيا ولا يعينه على أداء مهمته في الأرض، بل يقعد به عن أدائها، ويهبط بالإنسان عن مستواه الذي كرمه الله به ورفعه عن عالم الحيوان.
ولكنه جعل نقطة الابتلاء لهذا المخلوق البشري هي "تزيين" هذا المتاع، ليبتلي الإنسان في كيفية تصرفه في هذا الأمر: أيستجيب لدافع الشهوة ويتعدى