الباب السادس: مرحلة النضوج
مرحلة النضوج هي المرحلة "المثمرة" في حياة الأمم والجماعات والشعوب.
أرأيت إلى الزارع الذي يزرع حقله؟ إنه يختار الأرض ثم يهيئها للزرع. ينقيها من الحشائش الضارة ثم يحرثها، ثم يضع البذرة. ثم يظل يتعهدها ويسقيها حتى تخرج من باطن الأرض نبتة صغيرة، ثم يواليها بالرعاية حتى يقوم النبات على ساقه، ثم يتفتح ويزهر.
إلى أي شيء يهدف من وراء هذا العمل كله، وهذا الجهد الدائب الذي يقوم به؟
إنه يهفو إلى "الثمرة" في نهاية المطاف، تعوضه عن جهده من ناحية، وتحمل من ناحية أخرى بذور الدورة القادمة، التي يتم بها الاستنبات من جديد.
والبشرية تأخذ ذات الدورة.. ومنذ الطفولة الباكرة إلى الشباب الباكر جهد
دائب متصل يقوم به الآباء والمربون في انتظار "الثمرة". والثمرة هي ذلك الكيان الناضج -رجلًا كان أو امرأة- الذي يحمل مسئوليته الفردية والاجتماعية، ثم يقوم بدوره في إنشاء جيل جديد يخلفه في مهمته على الأرض.
مسئولية هائلة في الحقيقة..
وهي بالنسبة للإنسان المسلم أكبر وأخطر.
إنها -بالنسبة للإنسان المسلم- مسئولية الخلافة الراشدة في الأرض: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} 1.
أو هي بعبارة أخرى مهمة عمارة الأرض بمقتضى منهج الله:
{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} 2 وفي قصة آدم -كما وردت في مواضع شتى من القرآن الكريم- مجموعة من الحقائق بشأن مسئولية الإنسان في الأرض، ودوره في الحياة الدنيا.