الدوام، وإذا أريد له أن يبقى على حاله فإن الحياة تجمد وتقف عن النمو. وإن من الجوانب الثابتة في حياة البشرية -وفي حياة الكون كله- قضية الألوهية وما يتفرع عنها ويترتب عليها من مبادئ وقيم. فكون الله هو الإله الخالق، الذي خلق السموات والأرض وخلق الإنسان، قضية أزلية لا تتغير ولا يمكن أن تتغير. ويترتب عليها أن يعبد الإنسان ربه الذي خلقه ولا يعبد غيره، ولا يشرك به شيئًا، وتشمل هذه العبادة الاعتقاد بوحدانية الله بلا شريك، وأداء الشعائر التعبدية التي افترضها الله عليه. وتنفيذ شريعة الله دون غيرها من الشرائع، بما تشتمل عليه من نظم وأخلاقيات. وأما الجوانب المتغيرة فمنها "الصورة" السياسية، و"الصورة" الاجتماعية و"الصورة" الاقتصادية، وهذه تتغير على الدوام بحكم فاعلية الإنسان في الأرض "وهو مقتضى جعله خليفة في الأرض"1 وتفاعل عقله الدائم مع الكون المادي، بما ينشئ صورًا متجددة من الحياة المادية تؤثر بدورها في الصورة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبشر. ولكن هذا التغيير لا ينبغي أن يكون منفلتًا من كل قيد، وإنما تحكمه -في تغيره- القيم الثابتة أو الجوانب الثابتة في حياة الإنسان، فتضبط منطلقه في الأرض دون أن تقف حركته أو تعوقها، وتمنع عن حياته الخلل والاضطراب. وأن الشريعة الربانية المنزلة قد روعي فيها -من لدن منزلها سبحانه- أن تستجيب للجانبين معًا على نحو معجز. ففي الجوانب الثابتة تعطي الشريعة تفصيلات ثابتة غير قابلة للتغيير، وفي الجوانب المتغيرة تعطي أصولًا عامة ثابتة، وتترك للعقل البشري المؤمن أن يجتهد بما يراه محققًا للمصلحة -في المصالح المرسلة التي لم ينزل فيها نص- بحيث لا يتخطى تلك الأصول الثابتة ولا يصطدم معها. وهذا هو الذي يعطي تلك الشريعة مرونتها وصلاحيتها لجميع الأجيال إلى قيام الساعة، تواكب نمو الحياة البشرية وتضبط منطلقه في ذات الوقت.
والأمر الثاني: أن الداروينية بذاتها -بصرف النظر عن صحتها من الوجهة العلمية أو عدم صحتها2- لم تكن لتؤدي من تلقاء نفسها إلى ذلك التحول