الهائل الذي حدث في حياة البشرية في القرنين الأخيرين، والقرن الأخير خاصة، وغير معالم الحياة كلها، المادية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأوجد قيمًا ومفاهيم جديدة في كل شأن من شئون الحياة -ومن بينها الأخلاق- وإن الجيل "الجديد" هو بطبيعة الحال أكثر تشبعًا بالقيم والمفاهيم الجديدة من الجيل السابق، الذي تربى في عصر سابق، على قيم ومفاهيم مخالفة، وليست لديه المرونة الكافية ليتخلى عن قيمه ومفاهيمه التي تربى عليها، ومن ثم ينشأ الصراع بينه وبين جيل الأبناء!

ويكون مقتضى ذلك ولا شك أن الجيل السابق هو المخطئ، وأن الجيل "الجديد" هو المصيب! وأن هذا الجيل الجديد ينبغي أن يحطم "عنجهية" الجيل السابق واستبداده، بأن يعلم التمرد عليه، ويرغمه -في النهاية- على الخضوع له والانصياع لأمره، وإلا فليتركه وشأنه، ويمضي هو يحيا حياته الخاصة بعيدًا عن سيطرته أو إشرافه!

وتكتب في ذلك المقالات والكتب والقصص والمسرحيات، ويعرض ما يعرض منها في السينما والتلفزيون وغيرها من وسائل "الإعلام"!

وفي وسائل "إعلامنا" نحن تبرز بصفة خاصة صورة الأم الجاهلية الساذجة المحدودة الآفاق، التي تتمثل فيها التربية "الدينية" القديمة، وأمامها الفتاة "العصرية" المثقفة ذات "التجربة" والآفاق الأوسع، التي تقوم بتحطيم "التقاليد البالية" وتنشئ علاقات "حرة" مع الشبان، وتحدث ثورة عنيفة ضدها في البيت. ثم ينتهي الأمر بالرضى بالأمر الواقع، وترضح الأم -والأب كذلك- لما فعلته الفتاة "المتحررة" ويحتفلون جميعًا بتحطيم تلك التقاليد!

وسواء كانت المشكلة طبيعية كما يزعم الدعاة "التقدميون" أو كانت مفتعلة، فقد نشأت أصلًا من لوثة التطور التي أصابت الفكر الأوربي بعد دارون، وطغت من هناك على كل الأرض.

وفي غير هذا الكتاب تحدثت حديثًا مفصلًا عن قضية "التطور والثبات في حياة البشرية" وأشرت إلى أمرين رئيسيين:

الأمر الأول: أن الحياة البشرية ليست كلها ثابتة وليست كلها متغيرة. إنما فيها جانب ثابت لا ينبغي أن يتغير، وإذا تغير تختل الحياة البشرية ويسودها الاضطراب. وفيها جانب متغير لا ينبغي أن يظل على حاله على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015