وكنا -في نهاية الفصل السابق- قد أشرنا إلى "مشكلة" الصراع بين الأجيال، وأرجأنا الحديث عنها إلى هذا الفصل بوصفها أوضح في فترة الشباب الباكر منها في مرحلة المراهقة، وإن كانت -في الجاهلية المعاصرة- تبدأ مع المراهقين وتستمر في فترة الشباب.

وهذه "المشكلة" في الجاهلية المعاصرة ذات أبعاد لا تقتصر على ما يحدث في داخل حدود الأسرة من صراعات بين الأبناء والآباء, تنتهي بالتمرد الكامل على سلطة الأبوين، وما ينجم عن ذلك من تفكك روابط الأسرة وجنوح الصغار ووقوعهم في عالم الجريمة وعالم الرذيلة وعالم المخدرات وما أشبه ذلك من ألوان الفساد. إنما تتعدى "المشكلة" هذه الحدود، وتمتد إلى آفاق اجتماعية وآفاق سياسية، متخذة -حتى الآن- مظهرين مختلفين من مظاهر "الرفض" أو "الاحتجاج" كما يسمونه، أحدهما يتسم بالتطري والترهل والميوعة، ويضم أصحاب النفوس المتجهة بطبيعتها أو بعوامل إفسادها إلى هذه الخصال المتميعة، في مثل حركات "الهيبيز" و"الخنافس" وما إلى ذلك من حركات، والآخر يتسم بالعنف، متمثلًا فيما قام في الغرب من حركات العنف الجماعية في السنوات الأخيرة، التي قام بقيادتها "مفكر" يهودي معاصر!

ورغم انزعاج الحكومات الحقيقي أو المفتعل في الغرب من هذه الحركات بشقيها، فإن شيئًا حقيقيًّا لا يعمل هناك لوقفها، بل تعمل كل التيارات الجاهلية -في الصحافة والسينما والإذاعة والتلفزيون والمسرح ... إلخ- على تقوية هذا الصراع وتغذيته، والوصول به إلى صورة "المشكلة" الحادة التي تستعصي على العلاج.

أما في مجتمعاتنا نحن الجاهلية فالظاهرة موجودة على الأقل في نطاق الأسرة بين جيل الأبناء والآباء, وبصفة خاصة بين الولد ووالده وبين البنت ووالدتها، تغذيها ذات الأدوات التي تغذيها هناك: الصحافة والسينما والإذاعة والتلفزيون والمسرح ... إلخ. ويراد منها ما أرادته المخططات الشريرة هناك1.

ويقال فيما يقال إنها مشكلة طبيعية! وإن منشأها الطبيعي هو "التطور"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015