فمهمتنا إذن مقصورة على البيت وعلى التجمعات النسائية التي تنشئها الجماعة الداعية إلى الله.
ولن تكون مهمة البيت سهلة حين يحاول تربية فتاة مسلمة في وسط الخضم الجاهلي. فالمجتمع كله بنظمه وتنظيماته، بمناهج تعليمه ووسائل إعلامه، يحارب الإسلام، والفتاة المسلمة بالذات، التي تتحدى بزيها -مجرد زيها- كل صيحات الجاهلية. وتكفي نظرة واحدة إلى فتاة مسلمة ملتزمة وفتاة مستعبدة للجاهلية ليتضح المدى العميق الذي انحدرت إليه الجاهلية مع المرأة بالذات. فهنا الزي الذي لا يكشف ولا يصف ولا يشف ويتحاشى الفتنة، وهناك الزي الذي يكشف ويصف ويشف ويعمد إلى الفتنة. نقيضان كاملان من حيث المبدأ وكذلك في صورة التطبيق.
والمجتمع يدعو إلى العري والتبرج وإبراز الفتنة ويحارب الالتزام بما أنزل الله. كما يدعو إلى تعرية العواطف وإبرازها وممارسة الفاحشة، ويحارب النظافة الحسية والشعورية التي أمر بها الله. ويدعو إلى الاختلاط -مع التبرج- ورفع حاجز الحياء الفطري، والانطلاق ذكرانًا وإناثًا كانطلاق البهيمة، ويحارب آداب الجنس وآداب المجتمع التي قررها الله.
ومن ثم فتربية فتاة مسلمة ملتزمة في هذا الخضم الجاهلي لن تكون مسألة هينة. فضلًا عن تربية فتاة يصل الالتزام في حسها والوعي بحقائق دينها الضخمة الشاملة أن تصلح لأن تكون داعية للإسلام في محيط الجاهلية.
ولكنا -مع الفتاة كما نحن مع الفتى- مطالبون بالمحاولة وبذل الجهد.
لأننا بغير المحاولة لا نصل إلى شيء. ولأننا -بالمحاولة- نتحدث على أقل تقدير قدرًا من التغيير في الحاضر ينبني عليه التغيير المرجو في المستقبل. ولأن الله يأجرنا على الجهد المبذول -حين يكون جهد الطاقة- بما تهفو له كل نفس مؤمنة في الأرض: رضاه والجنة.
ولئن كان جهدنا مع الفتاة أكبر من جهدنا مع الفتى بسبب ثقل العراقيل الموضوعة أمام الفتاة أكثر من الفتى، فإن ثمرة الجهد كذلك أخطر. فإنشاء أم مسلمة واعية فاهمة هو شيء ضخم سواء في محيط مجتمعاتنا أو على المستوى البشري كله، لأنه يعطي النموذج العملي لعودة الفطرة إلى حقيقتها.