ونحن نعطلها بطريقة الدراسة ومراحلها وسنواتها، المفصلة أصلًا على قد الشاب لا الفتاة، بزعم أنهما -من الناحية العقلية- يستوعبانها بطريقة واحدة وعلى مستوى واحد.

وهذا الزعم قد يكون صحيحًا صحة كاملة. فإن النمو العقلي -بمعنى القدرة على التفكير ونسبة الذكاء- يتساوق عند الفتى والفتاة بنسبة واحدة أو نسب متقاربة. ومن ثم يمكن -كما يحدث الآن- أن تتلقى البنت والولد مواد دراسية واحدة، وتكون نسبة تحصيلهما منها ونجاحهما فيها متساوية. أو تتفوق الفتاة أحيانًا حين تستطيع أن تحبس نفسها عن المشاغل التي تشغل الولد في نوادي الرياضة أو تجمعات الطريق. ولا يكون التفوق حينئذ لمزيد من الذكاء أو القدرة إنما لبذل مزيد من الجهد الموفور.

ولكن العبرة ليست بالقدرة العقلية على الدراسة والتحصيل. فنحن لا نعيش بعقولنا وحدها، ولكن بكياننا كله. كياننا النفسي والعاطفي والجسدي والعصبي، بالإضافة إلى كياننا العقلي والروحي.

فماذا تجدي المساواة في جانب واحد -حتى إن كانت كاملة- إذا كان الاختلاف قائمًا في بقية الجوانب وكيف نستخلص الجانب المماثل وحده فنفصله عن بقية الكيان؟!

ولقد مر بنا الحديث عن محاولات الجاهلية المعاصرة لإحداث المساواة المفتعلة في بقية الجوانب حتى تصبح المرأة رجلًا أو امرأة رجلة. وبصرف النظر عما تحدثه تلك المحاولات من تشويه في الفطرة، فإن النتائج العملية ذاتها تقول إن المرأة الجاهلية الغربية قد شقيت بفطرتها المشوهة تلك أكثر مما كانت تشقى وهو منظلومة مهددة الكيان في المرحلة السابقة من تلك الجاهلية، وإنها بدأت تشعر هي نفسها بذلك، وتطالب لنفسها أن تكون أنثى حقيقية وربة بيت وزوجة وأم أولاد.

ودلالة ذلك أن هذه المحاولات لم تستطع في النهاية أن تغير حقيقة الفطرة رغم كل ما صاحبها من النشوة المؤقتة بالظفر والتحرر والانطلاق. لأن الفطرة -كما يقول ألكس كاريل بحق- أعمق بكثير من كل محاولة لتغييرها.

إن الدراسة المشتركة على برامج موحدة ومراحل دراسية وسنوات موحدة لم تلغ فوارق الفطرة العميقة ولم تؤد إلى المساواة المطلقة في كل شيء.. فما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015