إن الجماعات والهيئات والأحزاب والتكتلات -كما أشرنا آنفًا- تستغل قابلية الشباب للاستهواء العقلي من ناحية، وحماستهم العاطفية وقابليتهم للاستهواء العاطفي من ناحية أخرى، لتحشرهم في زمرتها وتستخدمهم في تحقيق أغراضها.
والشاب المسلم الذي يتربى على المنهج الحق يكون في مأمن من الاستهواء بجانبيه العقلي والعاطفي سواء؛ لأنه يملك المحك الذي يميز به بين الدعوات الحقة والدعوات الزائفة، وبين العاملين بصدق والمزيفين المخادعين. فهو بادئ ذي بدء لا يمكن أن ينتمي ولا أن يعطي ولاءه لتجمع غير قائم على الإسلام. فأما إذا كثرت اللافتات وكلها تحمل اسم الإسلام فعليه أن يرجع إلى المحك ذاته ليميز بينها ويعرف أيها أولى بالاتباع.
والمحك واضع ...
أيها أقرب تمثيلًا لحقيقة الإسلام المتكاملة التي يتمثل فيها الدين والدولة والدنيا والآخرة والفكر والسلوك ونشاط الجسد ونشاط العقل ونشاط الروح؟ لأن أي جانب من هذه الجوانب -وحده- لا يمثل حقيقة الإسلام وإن كان من الإسلام. فتربية الروح أمر جميل وضروري للحركة الإسلامية والحياة الإسلامية. ولكنها -وحدها- لا تكون المسلم الحق. وتربية الفكر بالثقافة الإسلامية أمر ضروري, ولكنها -وحدها- لا تكون المسلم الحق.
وكذلك تربية الجسد بالنشاط والتدريبات. لا يكفي أي منها بمفرده، إنما يحتاج الأمر إليها جميعًا وفي وقت واحد.
ثم إن تقديم الإسلام على أنه "دين" يعد للآخرة وحدها هو تقديم ناقص, كتقديمه على أنه نظم تعد للدنيا فحسب! ومهما كانت التربية التي تعد للآخرة من العمق والتأثير. ومهما كان الجهد الذي يبذل في تقديم النظم الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الفكرية الإسلامية، ونظام الدولة، وطريقة إقامة الخلافة، فأي منها لا يكفي وحده، ولا ينشئ الحركة الإسلامية الصحيحة.
هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن الرجال العاملين في الحقل الإسلامي لهم ميزانهم الذي يوزنون به كذلك.
فهم يوزنون من جهة مدى إدراكهم للحقيقة الإسلامية في شمولها وتكاملها.