{وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} 1.

وحيت يتربى المسلم على هذا النحو لا يتعرض للاستهواء للباطل، وهو -كما قدمنا- من أشد ما يتعرض له الناس في مرحلة الشباب الباكر, حين لا يكون لديهم الميزان الصحيح الذي يزنون به الأمور، فتستهويهم المبادئ الزائفة والأشخاص الذين أوتوا القدرة على الخداع والتضليل.

إن "الانقياد" خط من خطوط الفطرة كما أشرنا في هذا الكتاب وفي الكتاب الأول، من منهج التربية الإسلامية، ونحن نتحدث عن الخطوط المتقابلة في النفس البشرية، ومن بينها خطّا السلبية والإيجابية.

وقد جعل الله هذه القابلية للانقياد في أصل الفطرة، لينقاد الصغير إلى مربيه، ولينقاد الكبير إلى تعاليم ربه، وينقاد الناس لأولي الأمر "المؤمنين" فتستقيم الأمور في الأرض. ولو لم يكن في النفس البشرية هذه القابلية للانقياد ما تم شيء من هذا كله، وما استقامت الأمور في حياة الناس.

ولكن خط الانقياد -ككل خطوط النفس البشرية- عرضة للانحراف حين لا يتلقى التوجيه الصحيح. والشيطان -وأولياء الشيطان- يستخدمون هذا الخط ليبعدوا الإنسان عن الانقياد لله, أي: عن "الإسلام" وهو إسلام النفس كلها لله؛ فينقاد للشيطان.

ومنهج التربية الإسلامية يركز على هذا الخط الخطير من خطوط النفس البشرية؛ ليقومه ويصحح مساره، بحيث يكون الانقياد لله, ولما جاء من عند الله، وليحصن الإنسان -والشباب خاصة- من الاستهواء لصيحات الباطل مهما كانت مزخرفة بمعسول القول. وهو منهج عقلي ونفسي في آن واحد. فالاستهواء في الحقيقة عملية مشتركة بين العقل والعاطفة. وتقويمها يحتاج إلى جهد في الجانبين معًا في آن واحد. جهد لتربية العقل على منهج سليم للنظر، وتربية النفس على الانضباط وعدم الانسياق وراء العواطف الجامحة. ومن أجل ذلك تحدثنا عن الاستهواء مرتين: مرة ونحن نتحدث عن النمو النفسي في أول الفصل، وهنا نحن نتحدث عن النمو العقلي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015