وتتثقف في مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم. وكان الأوربيون يترقون في وظائفهم ومكانتهم الاجتماعية والفكرية والعلمية -في بلادهم- بمقدار ما نهلوا من العلم في مدارس المسلمين!

ولكن هناك ما هو أهم من العلم في الحقيقة، وهو منهج التفكير. لأنه هو الذي يولد العلم والثقافة وطريقة النظر في الأمور.

ويقول المنصفون من أهل الغرب -وما أقلهم! - إن أهم ما تعلمته أوربا من المسلمين في بدء نهضتها هو المنهج التجريبي في البحث العلمي، الذي بنت عليه أوربا كل تقدمها العلمي فيما بعد.

والمنهج التجريبي في البحث العلمي هو بلا ريب نتاج الإسلام والتوجيه الإسلامي للعقل البشري. فقد كان المنهج -قبل المسلمين- هو منهج اليونان العقلي الفلسفي، الذي يكتفي بالإثبات العقلي وحده، ويعتبر القضية صحيحة إن صحت في الذهن، بصرف النظر عن موضعها من الواقع! فجاء الإسلام بتوجيهاته وتطبيقاته فحول العلم إلى مجراه التجريبي الواقعي.

ثم إن للإسلام منهجًا للنظر في الأمور، هو المنهج العقلي المتجرد من الهوى وشهوة النفس، المنضبط في الوقت ذاته بالوحي. وهذا المنهج هو الذي أخرج تلك الثروة الهائلة المتمثلة في الفقه الإسلامي وأصوله. وهي من أضخم الثروات البشرية في التاريخ، ومن أكثرها دلالة.

وقد انقطع الخيط اليوم أو كاد بين حاضرنا الضائع وهذا الماضي المجيد الذي يحمل تلك الثروة الفكرية الهائلة. وصرنا إذا أردنا أن نتعلم المنهج التجريبي أرسلنا أبناءنا إلى الجماعات الغربية، وإذا أردنا أن نتعلم منهج النظر -حتى في أخص شئون ديننا وهو الشريعة الإسلامية واللغة العربية -أرسلنا أبناءنا للمستشرقين!!

وإرسال أبناءنا إلى الجامعات الغربية لتعلم المنهج التجريبي في البحث العلمي ضرورة لا محيص لنا اليوم عنها، إلى أن نسترد حاستنا العلمية التي فقدناها حين فقدنا حقيقة الإسلام في حياتنا وفي نفوسنا. ولا ضير علينا من ذلك إذ أخذنا احتياطاتنا لكي لا ينحرف شبابنا في لوثة الجاهلية الجارفة هناك. وذلك بألا نرسل إلا الشباب الذي نثق بإسلامه، بعد توعية كاملة بحقيقة الإسلام وحقيقة الجاهلية التي سيقابلونها، وأن يكونوا -زيادة في أسباب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015