والإسلام يحترم العواطف البشرية -كلها على إطلاقها- ولكنه لا يقبل لها أن تطغى وتتجاوز الحد.
عواطف الأم لابنها والأب لابنه، وعواطف الولد لوالديه، وعواطف الجنس، وعواطف الإخاء والزمالة, والعواطف الاجتماعية، والعواطف الإنسانية.. كلها عواطف عميقة في الفطرة، وكلها لها وزنها وتقديرها في دين الفطرة.
بشرط واحد، هو ألا تطغى وتتجاوز الحد.
والذي يرسم الحد هو الله. ومن غيره يملك هذا الحق؟
{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} 1.
فمن كونه سبحانه وتعالى هو الخالق، فهو الآمر. ولا يحق لكائن من كان أن يكون له "الأمر" حتى يكون خالقًا مثل الله!
كذلك لأنه هو سبحانه "العليم الحكيم" فهو الذي يعلم ما يصلح لهذه الفطرة وما يصلحها، ويعلم الحدود التي ينبغي أن يقف عندها الإنسان فلا يتعداها أو لا يقربها:
{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} 2.
{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} 3.
ولا يحق لكائن من كان أن يكون له الأمر حتى يكون عليمًا حكيمًا مثل الله، يعلم حقيقة خلق الإنسان وحقيقة نفسه، وحقيقة ماضيه وحاضره ومستقبله إلى أن تقوم الساعة وبعد أن تقوم الساعة.
فإن لم يكن هناك من أحد يخلق مع الله، أو يعلم علم الله ويملك حكمته، فليس من حق أحد أن يكون له الأمر. أن يقول هذا حلال وهذا حرام. هذا حسن وهذا قبيح. هذا مباح وهذا غير مباح. إلا بإذن من الله، وإلا فهو الشرك واتخاذ الشركاء من دون الله:
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} 4.