عن المنكر، ولكن في مودة ورفق، وبدافع حب الخير للآخرين لا بدافع التعالي عليهم وتجريحهم وإخراجهم.
فالمجتمع الذي لا يأتمر بالمعروف ولا يتناهى عن المنكر مجتمع ملعون عند الله:
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} 1.
والجاهلية المعاصرة أسوأ مثل في هذا الشأن. فهم لم يقفوا عند حد عدم التناهي عن المنكر الذي استحق اللعنة عند الله، إنما ذهبوا إلى أبعد من ذلك فأصبح المنكر معروفًا والمعروف منكرًا، وهي الدرجة التي تؤذن بالبوار والدمار فوق اللعنة. وهذا هو المصير المحتوم لهذه "الحضارة! " ما لم يغيروا ما بأنفسهم.
ولكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محكوم بشروط من جانب آخر. فلا يجوز أن ينتهي إلى التنابز المنهي عنه، ولا إلى السخرية المنهي عنها كذلك، ولا إلى التجسس، ولا إلى إساءة الظن بغير دليل. إنما هي النصيحة المخلصة والمودة والرفق، وعدم التشهير وعدم الإحراج. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحاشى أن يذكر شخصًا بعينه في مجال الإنكار بل يقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا"، حتى ينبه الفاعل دون التشهير به على الملأ، لأنه يعلم صلى الله عليه وسلم أن التشهير على الملأ يحرج صدر المشهر به, ولا يجعل كلمة النصيحة والتوجيه تأخذ مكانها الصحيح عنده.
والمربي الحكيم يربي أبناءه على هذا الخلق الإسلامي بإعطاء القدوة من نفسه أولًا، وبالتوجيه والتذكير والتعويد.
وينبغي أن نذكر بصفة عامة أن التنمية النفسية الصحيحة لا تتم في كيان فرد يعيش بمفرده في عزلة عن الآخرين، وفي هذه الفترة بالذات.
فأما أنها لا تتم في كيان فرد بمفرده فلأنها مبنية أساسًا على "الغيرية".
على التعامل مع الغير والترابط والتلاحم والتعاون. فهي -بطبيعتها- أمور جماعية، تحتاج إلى الوجود في جماعة والتعامل مع هذه الجماعة. وإلا فإنها