وأما إن كانت الغاية هي العمارة المادية للأرض والاستمتاع بما فيها من متاع بصرف النظر عن حرامه وحلاله وحقه وباطله، كما هو شأن الجاهلية المعاصرة في عمومها، فستحدث تنمية هائلة للاستعدادات والمواهب في جميع الاتجاهات -والعملية خاصة- ولكن على ذات الأساس الذي لا يفرق بين الحلال والحرام والحق والباطل، وتستخدم الاستعدادات والمواهب على نطاق واسع في خدمة الصراع الجبار الذي يحدث بين الأفراد والجماعات والدول والشعوب التي تتصارع كلها على متاع الأرض، ويسعى بعضها إلى سحق بعض! وتكون المواهب والاستعدادات كلها -أو جلها- في خدمة الشيطان، كما تستخدم الطاقة الذرية في التخريب والتدمير، وكما تستخدم حبوب منع الحمل لإشاعة الفاحشة في الأرض، وكما يستخدم فن الصورة المتحركة في إفساد الأخلاق وحل الروابط البشرية في السينما والتليفزيون، وكما يستخدم "العلم" كله -حتى النافع منه- في إفساد العقيدة وصرف الناس عن عبادة الله، بدعوى أن الإنسان قد شب عن الطوق ولم يعد في حاجة إلى وصاية الله!

أما في منهج التربية الإسلامية فتنمي المواهب والاستعدادات لتخدم غاية الوجود الإنساني كما حددها الله خالق الإنسان:

{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 1.

على المعنى الواسع الشامل للعبادة الذي لا ينحصر في شعائر التعبد كما صار في حس الأجيال المتأخرة من المسلمين، إنما يشمل الحياة كلها بكل فكرها وشعورها وسلوكها, كما فهمت الأجيال الأولى من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم, من توجيهات القرآن وتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ} 2.

فهي تشمل الخلافة في الأرض، وتشمل عمارة الأرض ولكن على منهج الله.

ليست العمارة المادية وحدها هي المطلوبة من الإنسان ليحقق وجوده

طور بواسطة نورين ميديا © 2015