بدعوى أنهم مستضعفون في الأرض ويسميهم {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} .. ولكن لا على أساس الصراع الطبقي والحقد الطبقي، إنما على أساس إنسانية الإنسان، الذي كرمه الله وينبغي أن يظل مكرمًا. والذي خلقه في أحسن تقويم, ويأبي له أن يهبط أسفل سافلين. ثم يبين المنهج الذي يتم به تحرير الإنسان من كل طواغيت الأرض. وهو عبادة الله وحده بلا شريك، وإقامة المنهج الرباني في الأرض، وهو المنهج الذي يقف للطغاة بالمرصاد.
والفن الإسلامي هو الذي يدور في فلك هذا المفهوم الواسع الشامل، الذي يأخذ الإنسان كلًّا متكاملًا كما هو في حقيقته، لا يتحدث عن معدته وحدها، ولا عن جانبه المادي وحده. إنما عن كيانه الإنساني كله الذي يشمل جسده وعقله وروحه، ويشمل دنياه وآخرته. ويشمل علاقته بربه وعلاقته بالكون والحياة والأحياء.
وهذا شيء أضخم بكثير جدًّا من الوعظ والحديث المباشر عن مكارم الأخلاق. وأضخم من أي مفهوم فني عاشت به البشرية في أي وقت من الأوقات.
فالشاب المسلم ذو الموهبة الفنية طاقة ثمينة ينبغي الحرص عليها وتشجيعها وتنميتها. وتوجيهها لخدمة الإسلام على ذات النحو الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشجع حسان بن ثابت على قول الشعر.
ولئن كانت ظروف المعركة يومئذ قد اقتضت أن يكون شعر حسان رضي الله عنه دفاعًا مباشرًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الإسلام، وسبًّا مباشرًا للكفر والكفار، فليست هذه هي الطريقة الوحيدة للأداء في منهج الفن الإسلامي، إنما يكون الأمر أجمل من الوجهة الفنية كلما استطعنا أن نصل إلى أهدافنا ونبلغ توجيهاتنا عن طريق غير مباشر، من خلال حركة النفس البشرية في إطار الأحداث1.
وإذا كنا تحدثنا عن الشعر والفن، فلا نحتاج أن نتحدث عن عناية الإسلام بالمواهب والاستعدادات الأخرى ذات الطابع العلمي أو العملي خاصة، فكلها طاقات يحرص عليها الإسلام، ويستخدمها المجتمع المسلم