فماذا يتوقع من منهج التربية الإسلامية إزاء المواهب والاستعدادات؟

إنه لا يكبتها لأنها موهبة ربانية. وكل ما وهب الله للبشر فهو رزق ينبغي أن ينموه ويستغلوه ويشكروا فضل الله عليهم فيه.

ولا يبددها لأن تبديد الطاقة مخالف لتعاليم الإسلام كلها ومخالف لروحه كذلك.

إنما يوجهها وجهة الخير، التي تنفع صاحبها في الدنيا والآخرة، وتنفع الناس:

{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} 1.

ولنأخذ مثلًا موهبة الشعر، التي يظن أن الإسلام حاربها وكرهها وكره الناس فيها، بسبب قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} 2.

فبصرف النظر عن أن هذه الآيات نزلت في شعراء المشركين, الذين كانوا يهاجمون الإسلام ويسبون الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. فإن العبرة بالنص ذاته لا بسبب نزوله. فالنص يصف سلوكًا معينًا هو في ذاته معيب ولا يستحق الاحترام أو التقدير: {فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} {يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} .

ثم إن النص القرآني الذي بدأ بقوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} لم يجعلها قضية عامة شاملة لا استثناء فيها. إنما استثنى منها -برغم صيغة العموم في الآية الأولى- طائفة معينة ذات سلوك آخر مختلف.

{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} 3.

فتبين من النص أنه ليس الشعر في ذاته هو الملعون ولا الشعراء بجملتهم جميعًا. إنما السلوك الجاهلي بالشعر هو المذموم، والسلوك الإيماني به خارج من الذم، بل هو في مقام المديح من ظاهر ما وصف به ذلك الفريق ومعروف أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرب إليه حسان بن ثابت "شاعر الرسول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015