ذلك قوة الأبدان، فليس لينكبوا على متاع الأرض حلاله وحرامه سواء، ولا ليتكسبوا بأجسامهم في مباريات محترفة، ولا ليتلهوا عن محاربة الظلم الواقع عليهم، ولا ليطغوا به في الأرض ويظلموا، ولا لينهبوا خيرات الشعوب.
إنما يربيهم على القوة -بما في ذلك قوة الأبدان- وهو يذكرهم في كل لحظة أنهم عباد الرحمن، الذين يخشعون للرحمن، ويأتمرون بأمر الرحمن، كما وصفهم القرآن في آخر [سورة الفرقان: 63-76] .
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا، إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا، وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا، وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} . {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} ,
وهكذا لا تنفصل تربية الأجسام في منهج التربية الإسلامية عن تربية الأرواح، وتكون الأجسام القوية وسيلة لنشر الخير في الأرض، لا لنشر الشر والفساد. وفي ذلك يتفرد المنهج الرباني عن مناهج البشر كلها خلال التاريخ.
وقلنا هناك إن المواهب والاستعدادات بدأت تظهر، وبدأ الشاب يعتز بها وينميها.
والإسلام حريص على هذه المواهب والاستعدادات يربيها وينميها ولا يكبتها ولا يتركها تتبدد بغير طائل.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف كل موهبة من مواهب أصحابه ثم يستخدمها في خير مجالاتها، ويستخدم صاحبها حيث تكون موهبته أنفع للإسلام والمسلمين.
وذلك هو منهج التربية الإسلامية.
إن الموهبة في ذاتها طاقة يمكن أن تستخدم في سبيل الخير كما تستخدم في سبيل الشر سواء. وليست هناك موهبة شريرة بذاتها ولا خيرة بذاتها. إنما التوجيه الذي تتلقاه هو الذي يجعلها خيرة أو شريرة.