وهذه الصورة الكريمة لم تكن قط خيالُا مثاليًّا غير قابل للتطبيق، بل كانت واقعًا. لأن المنهج الرباني نزل لينشئ واقعًا مشهودًا في الأرض، لا لينشئ أحلامًا جميلة غير قابلة للتطبيق.
وانظر إلى الشباب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد التابعين كيف كانوا. بل انظر إلى شباب المسلمين في قرون متطاولة من التاريخ بعد تلك الفترة المثالية الفريدة، ثم انظر إلى شباب الجاهلية
المعاصرة الممسوخ المشوه الكيان، واعجب -إن شئت- كيف كون هذا وذاك نموذجين لنوع واحد من الخلق، هو "الإنسان"! لا جرم أن الآخرين هم كالأنعام بل هم أضل!
ألا إنه الإنسان مرة في أحسن تقويم، ومرة أسفل سافلين!
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} 1.
قلنا في عرضنا لسمات هذه الفترة: إن القوة الجثمانية للشاب بدأت تظهر، وبدأ هو يعنى بإبرازها.
ونقول هنا: إن منهج التربية الإسلامية يعطي هذه الظاهرة حقها ولكن على طريقته الخاصة.
إن كثيرًا من مناهج التربية في القديم والحديث قد أولت عنايتها لهذه الظاهرة فجعلت للشباب ساحات وملاعب يدرب فيها عضلاته ويقويها ويستزيد فيها من قوة الجسد إلى أقصى الغاية. والشباب من تلقاء نفسه -ولو ترك بغير توجيه على الإطلاق- يتجه إلى اللعب والرياضة لتصريف الفائض من طاقته الحيوية وتقوية جسمه في ذات الوقت. وكان اليونان والرومان يعنون عناية شديدة. بكمال الجسم وجماله واقتداره وقوته، كما كان غيرهم من الشعوب.
والإسلام كذلك يعني بقوة الإجسام واقتدارها، فيوجه الشباب إلى