تلك الفترة يقرأ الشباب معظم قراءاته ويطلع معظم إطلاعاته، قبل أن تخبو فيه رغبة القراءة والاطلاع بعد إتمام دراسته والانغماس في مشاغل الحياة.
والأصل الواجب ألا ينقطع الإنسان عن التحصيل والاطلاع لكي لا يتوقف نموه العقلي والعلمي. والعملي كذلك. لكن حتى الذين يقومون بهذا "الواجب" يعلمون أن فترة "النهم" في القراءة والاطلاع هي فترة الشباب الباكر، حيث الرغبة والقدرة معًا متوفرتان، وحيث يستطيع بعض الناس أن يقرأ كتابًا كاملًا كل يوم، بلا ملل ولا رغبة في الانصراف!
وتبدأ هذه الفترة -على نظم الدراسة الحالية- في نهاية المرحلة الثانوية ثم تستوعب المرحلة الجامعية كلها وسنوات أخرى بعد التخرج. وفيها يحصل الشاب -سواء عن طريق الدراسة المقررة أو عن طريق اطلاعاته الخاصة- الجسم الأكبر من "المعرفة" التي يعيش بها بقية حياته، يضيف إليها دراسات واطلاعات جديدة فيما بعد إن كان من أصحاب النفس الطويل في التعلم، ويتوقف عندنا إن كان ممن تفتر حماستهم للمعرفة بعد ذلك.
ولا يكاد يوجد نوع من المعرفة يستعصي على الشباب في تلك الفترة -مع مراعاة الميول والاستعدادات الخاصة بالطبع- إلا ما كان من أنواع المعرفة في حاجة إلى الخبرة بجانب القدرة على الفهم والاستيعاب. ومن هنا ينجز الشباب دراسته الجامعية بنجاح، وينجز كذلك قدرًا من دراساته العليا بقدرة ملحوظة على الاستيعاب والتحصيل. ويتعرض لمناقشة كل المشكلات، شاعرًا أن لديه القدرة على مناقشتها! وكثيرًا ما تكون مناقشته سطحية أو متلفسفة بغير موجب! ذلك أن النظر في المشكلات والبحث عن حلول لها أمر يتعلق بالخبرة والممارسة أكثر مما يتعلق بالمعلومات المحشودة في ذهن الإنسان. ولكن الشباب لا يدرك هذه الحقيقة إلا متأخرًا، حين يحصل قدرًا معقولًا من الخبرة والممارسة الواقعية! أما في شبابه الباكر فيظن أن معلوماته وقدرته على التفكير المجرد كفيلتان بحل أعقد مشكلات البشرية! ومن ثم يجد في نفسه الجرأة على النقد، وإعلان رأيه في بساطة واعتداد وبلا تحفظ! كما يكون نقده قاطعًا وحاسمًا لا يقبل الرفق ولا التوسط، ويكون مقتنعًا بمنطقيته وسلامته فلا يسهل عليه الرجوع عنه! ولذلك يتعرض الشباب للاندفاع والشطط في تلك