وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} 1 إنما الفارق بين هذه العواطف وعواطف المراهقة أنها هنا واقع تحفه الأحلام، وهي هناك أحلام بغير واقع حقيقي ولا هدف واقعي، ولا سعي جدي إلى غاية محددة.

وينمو الفتى نموًا عقليًّا واسع المدى.

حقيقة إن خبراته لا تكتمل في هذه المرحلة من العمر. بل إن مرحلة النضوج ذاتها لا تكتمل الخبرة في أولها، ولا يزال الإنسان يتعلم ويضيف إلى خبراته مهما امتد به العمر. إنما يكون الإنسان في سن الأربعين مثلًا قد حصل على قدر معقول من الخبرة والتجربة يؤهله لحمل المسئوليات الكبيرة. ويلفت نظرنا في هذا الباب بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الأربعين من عمره، وقوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} 2.

فالخبرة إذن لا تكتمل في مرحلة الشباب الباكر، بل الأحرى أنها تبتدئ حينئذ مجرد بدء، وتظل السنوات تضيف إليها حتى يحصل الإنسان نصيبه منها في سن متأخرة.

ولكن النمو العقلي, والاستعداد لتلقي التجارب واستفادة الخبرة منها هو الذي يحدث في هذه الفترة على نطاق واسع.

فأما مستوى الذكاء المقدور للإنسان فإنه يبلغ ذروته في هذه الفترة, ولا يكاد يزيد بعد ذلك، كما تبلغ القامة ذروتها في الارتفاع المقدور لها ولا تكاد تزيد بعد ذلك!

أما الحصيلة العقلية التي يؤهل لها ذلك المستوى من الذكاء فهي تمتد بامتداد العمر، أو على الأقل حتى تنتهي الفترة الخصبة من العمر. ولكن القدرة على التحصيل في هذه الفترة بالذات قدرة فائقة بشكل ملحوظ. وفي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015